للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: «تَدْعُونني» هذه الجملة بدل من «تَدْعُونَنِي» الأولى على جهة البيان لها. وأتى في قوله «تَدْعُونَنِي» بجلمة فعلية؛ ليدل على أن دعوتهم باطلة لا ثبوت لها، وفي قوله: «وَأَنَا أَدْعُوكُمْ» بجلمة إسميَّة؛ ليلد على ثُبُوتِ دعوته وتَقْوِيَتِهَا.

فصل

معنى قوله: «مَالَكُمْ» كقولك: ما لي أراك حزنياً، أي مالك، يقول: أخبروني عنك، كيف هَذِهِ الحال؟ أدعوكم إلى النجاة من النار بالإيمان بالله، وتدعونني إلى النار بالشرك الذي يُوجِبُ النار، ثم فصر فقال {تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بالله وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} . والمراد بنفي العلم نفي الإلهة كأنه قال: وَأُشْرك به ما ليس لي بإله، وما ليس إله كيف يُعْقَلُ جَعْلُهُ شريكاً للإله؟

ولما بين أنهم يدعونه إلى الكفر بيَّنَ أنه يدعوهم إلى الإيمان بالعزيز الغَفَّارِ، «العزيز» في انتقامه ممن كفر، «الغفار» لذنوب أهل التوحيد. فقوله: «العَزِيزِ» إشارة إلى كونه كامل القدرة، وأما فرعون فهو في غاية العجز، فكيف يكون إلهاً؟ وأما الأصنام فهي حجارة منحوتة فيكف يعقل كونها آلهة؟ قوله: «الغَفَّار» إشارة إلى أنهم يجب أن لا يَيْأَسُوا من رحمة الله بسبب إصرارهم على الكفر مُدّةً مَدِيدَة فَإنَّ إله العَالَم، وإن كان عَزِيزاً لا يُغْلبُ، قادراً لا يعارض، لكنه غافار يغفر كفر سبيعنَ سنة بإيمان ساعةٍ واحدةٍ.

قوله: «لَا جَرَمَ» تقدم الخلاف في «لَا جَرَمَ» في سورة هود في قوله: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الأخسرون} [هود: ٢٢] ، وقال الزمخشري هنا: «ورُوِيَ عن بعض العرب: لا جُرْمَ أنه يفعل كذا بضم الجيم وسكون الراء بمعنى: لا بُدَّ. وَفَعَلٌ وَفُعْلٌ أخوان كَرَشَدٍ، وَرُشْدٍ، وعَدَمٍ، وَعُدْمٍ» .

وشأنه على مذهب البصريين أن يجعل رداً على دعاه إليه قَوْمُهُ.

و «جَرَمَ» فَعَلٌ بمعنى حَق، و «أَنَّ» مع ما في حيّزها فاعله، أي وَجَبَ بُطْلانُ دَعْوَتِهِ، أو بمعنى كَسَبَ من قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ} [المائدة: ٢] أي بسبب ذلك الدعاء إليه بطلان دعوته بمعنى أنه ما حصل من ذلك إلا ظهور بطلان دعوته.

<<  <  ج: ص:  >  >>