معنى الآية واذكر يا محمد القومكم إذ يَتَحاجُّون أي يُحَاجُّ بعضُهم بعضاً. ثم شرح خصومتهم وهي أن الضعفاء يقولون للرؤساء: إنا كنا لكم تبعاً في الدنيا فهل أنتم مغنون عنا نصباً من النار أي فهل تقدرون على أن تدفعوا عنا أيها الرُّؤسَاء نصيباً من العذاب؟
ومقصودهم من هذا الكلام المبالغة في تعجيز أولئك الرؤساءَ وإيلام قلوبهم؛ لأنهم يعلمون أن أولئك الرؤساء لا قدرةَ لهم على ذلك التخفيف فعند ذلك يقول الرؤساء إنا كل فيها أي إنا كُلُّنَا واقعون في هذا العذاب، فلو قدرنا على إزالة العذاب لدفعناه عن أنفسنا. ثم يقولون:{إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد} يعنى فَأَوْصَلَ إلى شكل أحد حقه من النعيم أو من العذاب، فعند هذا يحصل اليأس للأتباع من المتبوعين، فيرجعون إلى خَزَنَةِ جهنم ويقولون لهم:{ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ العذاب} .
فإن قيل: لم لم يقل: وقال الذين في النار لخزنتها؟
فالجواب من وجهين:
الأول: أن يكون المقصود من ذكر جهنم التهويل والتفظيع.
والثاني: أن تكون جهنم اسماً لموضع من أشد المواضع بعيدِ القرار من قولهم: بِئْرٌ جِهِنَّامٌ أي بعيدة القَعْر وفيها أعظم أقسام كفار عقوبة، وخزنة ذلك الموضع تكون أعظم خزنة جهنم عند الله درجة، فإذْ عرف الكافر أن الأمر كذلك استغاثوا بهم فيقولون لهم:{أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بالبينات} ؟ .
قوله:{يَوْماً مِّنَ العذاب} في يومايً وَجْهَانِ:
أحدهما: أنه ظرف لِيُخَفِّفْ، ومفعول «يخفف» محذوف، أي يخفف عنا شيئاً من العذاب في يوم. ويجوز على رأي الأخفش أن تكون «مِنْ» مزيدة فيكون العذاب هو المفعول، أي يخفف عنا في يوم العذابَ.
الثاني: أن يكون مفعولاً به، واليوم لا يخفف، وإنما يخفف مظروفه، والتقدير يخفف عذاب يوم، وهو قلق لقوله:«مِنَ العَذَابِ» والقول بأنه صفة كالحال أقلق منه.
والظاهر أن «مِنَ العََذَابِ» هو المفعول ليخفف، ومِنْ تَبْعِيضِيَّة، و «يَوْماً» ظرف، سألوا أن يخفف عنهم بعض العذاب لا كله في يوم ما، لا في كل يوم ولا في يوم معين.