للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الثالث: قال ابن الخطيب: وهو الأقرب عندي أن الكلام في أول السورة إنما وقع من قوله: إنما يُجَادِلُ في آيَات اللهِ الذين كفروا فلا يغرنك تقلّبهم في البلاد. وأصل الكلام في الرد على أولئك المجادلين وعلى أن المحقين أبداً مشغولين بدفع كيد المبطلين، وكل ذلك إنما ذكره الله تعالى تسلية للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتصبيراً له على تحمل الأذى من قومه.

ولما بلغ الكلام في تقرير هذا المطلوب إلى الغاية القصوى وعد تعالى بأن ينصر رسوله على أعدائه تعالى فقال: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا} . قال ابنُ عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: بالغلبة والقهر، وقال الضَّحَّاحُ: بالحُجَّة، وفي الآخرة بالانتقام من الأعداء وبإعلاء درجاتهم في مراتب الثواب، وكل ذلك قد كان للأنبياء والمؤمنين، فهم منصورون بالحجة على من خالفهم، وأهلك أعداءهم بعد أن قتلوا بالانتقام من أعدائهم، كما نصر يحيى بن زكريا لما قُتِلَ فقَتَلَ به سبعين ألفاً.

قوله: {وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد} قرأ الجمهور يَقُوم بالياء من أسفلَ، وأبو عمرو في رواية المنقريّ عنه وابن هُرْمز وإسماعيل بالتاء من فوق لتأنيث الجماعة.

والأشهاد يجوز أن يكون جمع «شَهيدٍ» كشَرِيفٍ وأشْرَافٍ، وهو مطابق لقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء: ٤١] وأن يكون جمع «شاهد» كصَاحِب، وأصْحاب، وطَائر، وأطيار، قال المبرد وهو مطابق لقوله: {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} [الأحزاب: ٤٥] .

واعلم أن قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد} فيه دقيقة لطيفة، وهي أن السلطان العظيم إذا آثر بعض خواصه بالإكرام العظيم عند حضور الجمع من أهل المشرق والمغرب كان ذلك أتمّ وأبهج. وعنى بالأشهاد كل من شهد بأعمال العباد يوم القيامة

<<  <  ج: ص:  >  >>