على أن أوامر الله تعالى لازمة للظالمين، كلزومها لغيرهم ثبت الوجه الآخر، وهو أنهم غير مؤتمنين على أوامر الله تعالى وغير مقتدى بهم فيها، فلا يكونون أئمة في الدّين، فثبت بدلالة الآية بطلان إمامة الفاسق، قال عليه السلام:«لَا طَاعَة لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخَالِقِ» ودل أيضاً على أن الفاسق لا يكون حاكماً، وأن أحكامه لا تنفذ إذ وُلِّيَ الحكم، وكذلك لا تقبل شهادته، ولا خبره [عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولا فتياه إذا أفتى، ولا يُقَدَّم للصَّلاة، وإن كان هو بحيث لو اقتدى به، فإنه لا تفسد صلاته] .
وقال ابو بكر الرَّازيك «ومن النَّاس من يظن أن مذهب أبي حنيفة أن يجوز كون الفاسق إماماً وخليفة، ولا يجوز كون الفاسق قاضياً» ، قال: وهذا خطأ، ولم يفرق أبو حنيفة بين الإمام والحاكم في أن شرط كل واحد منهما العدالة، وكيف يكون خليفةً، وروايته غير مقبولة، وأحكامه غير نافذة.
قال: وإنما غلط من غلط في هذه الرواية أن قول أبي حنفية: أن القاضي إذا كان عدلاً في نفسه، وتولى القضاء من إمام جائر فإنَّ أحكامه نافذة، والصَّلاة خلفه جائزة؛ لأن القاضي إذا كان عدلاً في نفسه، ويمكنه تنفيذ الأحكام كانت أحكامه نافذة، فلا اعتبار في ذلك بمن وَلَاّه؛ لأن الذي ولَاّه بمنزلة سائر أعوانه، وليس شرط أعوان القاضي أن يكونوا عدولاً، ألا ترى أن أهل بلد لا سلطان عليهم لو اجتمعوا على الرِّضَا بتولية رجل عدل منهم القضاء حتى يكونوا أعواناً له على من امتنع من قبول أحكامه ولكان قضاؤه نافذاً، وإن لم يكن له ولاية من جهة إمام ولا سلطان. والله أعلم.
فصل في أخذ الأرزاق من الأئمة الظَّلمة
ونقل القرطبي رَحِمَهُ اللهُ تعالى عن أبن خويز منداد أنه قال: وأما أخذ الأرزاق من الأئمّة الظلمة فله ثلاثة أحوال: إن كان جميع ما في أيديهم مأخذاً على موجب الشريعة، فجائز أخذه؛ وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحَجّاج وغيره.
وإن كان مختلطاً حالالاً وظلماً، كما في أيدي الأمراء اليومن فالوَرَعُ تركه، ويجوز