استدل بعضهم بقوله:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً} على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان في أول الأمر متعبداً بشريعة نوح عليه الصَّلاة والسَّلام، وأجيب: با، هـ عطف عليه سائر الأنبياء، فدل ذلك على أن المراد هو الأخذ بالشريع المتفق عليها بين الكل.
قوله:{أَنْ أَقِيمُواْ الدين} يجوز فيها أوجه:
أحدها: أن تكون مصدرية في محل رفع على خبر مبتدأ مضمر، كأنه قيل: وما ذلك المشروع؟ فقيل: هو إقامة الدين المشروع توحيد الله.
الثاني: أنها في محل نصب بدلاً من الموصول، كأنه قيل: شرع لكم ما وصَّى به نوحاً توحيد الله.
الثالث: أنها في محل جر بدلاً من الدين.
الرابع: أنها في محل جر أيضاً. بدلاً من الهاء.
الخامس: أن تكون مفسِّرة؛ لأنه قد تقدمها ما هو بمعنى القول.
قوله:{كَبُرَ عَلَى المشركين مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من التوحيد، ورفض الأوثان.
قوله:«الله يَجْتَبِي» أي يصطفي {إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ} يهدي إليه من يشاء يصطفي لدينه من عباده من يشاء {ويهدي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} يقبل إلى طاعته. والاجتباء يدل على الضم ومنه: جبى الخَراجَ واجْتَبَى الماء في الحوض فقوله: «الله يجتبي» أي يضم إليه ويقربه منه تقريب الإكرام والرحمة.
فصل
احتج نفاة القياس بهذه الآية، فقالوا: إنه تعالى أخبر بأن أكابر الأنبياء أطبقوا على أنه يجب إقامة الدين بحيث لا يفضي إلى الاختلاف والنزاع، والله تعالى ذكر في معرض المنَّة على عباده أنه أرشدهم إلى الدين الخالي عن التفرق والمخالفة، المعلوم أن فتح باب القياس يُفْضِي إلى أعظم أنواع التفرق والمنازعة فإن الحسَّ شاهد بأن هؤلاء الذين