مطلوبه ولا يحصل له في الآخرة من نصيب البتة فبين أن طالب الآخرة يكون حاله أبداً في التزايد، وأن طالب الدنيا يكون حاله في النقصان والبطلان في الآخرة، وذلك يدل على تفضيل طلب الآخرة.
وأيضاً فإنه تعالى بين أن منافع الآخرة ومنافع الدنيا ليست حاضرة ناجزةً، بل لا بدَّ فيهما من الحرث والحرث لا يتأتى إلا بتحمل المشاق (في البذر ثم التسقية والتنمية ثم الحصد ثم التنقية فلما سمى الله كلا القسمين حرثاً علمنا أن كل واحد منهما لا يحصل) والمتاعب. ثم بين أنَّ مصير الآخرة إلى الزيادة والكمال وأن مصير الدنيا إلى النُّقصان والعناء، فكأنه قيل: إذا كان لا بد في القسمين من متاعب الحراثة من التبقية والتنمية والحصد والتَّنْقِية فصرف هذه المتاعب إلى ما يكون في التزايد الباقي أولى من صرفها إلى ما يكون في التناقص والانقضاء.
فصل
قال ابن الخطيب: فإن قيل: ظاهر اللفظ يدل على أن من صلَّى لأجل طلب الثواب أو لأجل دفع العقاب فإنه تصح صلاته، وأجمعوا على أنها لا تصح.
فالجواب: أنه تعالى قال: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة} ، والحرث لا يَتَأَتَّى إلا بإلقاء البذر الصَّحيح في الأرض، والبذر الصحيح الجامع للخيرات والسعادات ليس إلا عبودية الله سبحانه وتعالى.
فصل
إذا توضأ بغير نية، لم يصح، لأنه لم يرد حرث الآخرة، وذلك لا يحصل بالوضوء العاري عن النية.
قوله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدين ... } الآية. لما بين القانون الأعظم في أعمال الآخرة والدنيا أردفه بيان ماهو الأصل في باب الضَّلالة والسعادة فقال:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ} ومعنى الهمزة في «أم» التقرير والتقريبع. والضمير في «شَرَعوا» يجوز أن يكون عائداً على «الشركاء» ، والضمير في «لهم» على الكفار، ويجوز العكس؛ لأنهم جعلوا لهم أنصباء، والمعنى شركاؤهم أي شياطينهم الذين زينوا لهم الشرك وإنكار البعث، والعمل للدنيا. وقيل: شركاؤهم أوثانهم، وإنما أضيفت إليهم؛ لأنهم هم الذي اتَّخذوها شركاء لله. ولما كانت سبباً لضلالتهم جعلت شارعة