قوله:{وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} قرأ نافع وابن عامر بما كسبت بغير فاء، الباقون بالفاء «فما» في القراءة الأولى الظاهر أنها موصولة بمعنى الذي، والخبر الجار من قوله «بما كسبت» .
وقال قوم منهم أبو البقاء: إنها شرطية حذفت منها الفاء، قال أبو البقاء: كقوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام: ١٢١]
وهذا ليس مذهب الجمهور، إنما قال به الأخفش وبعض البغداديِّين، وأما قوله:«إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ» فلي جواباً للشرط، إنما هو جواب لقسم مقدر حذفت لامه الموطِّئة قبل أداة الشرط.
وأما القراءة الثانية، فالظاهر أنها فيها شرطية. وقال أبو البقاء: إنَّه ضَعيفٌ ولا يلتفت إلى ذلك. ويجوز تكون موصولة، والفاء داخلة في الخير تشبيهاً للموصول بالشرط بشروط مذكورة في هذا الكتاب. وقد وافق نافع وابن عامر مصاحفهما، فإن الفاء ساطقة من مصاحف المدينة والشام، وكذلك الباقون، فإنها ثابتة في مصاحف مكَّة والعراق.
فصل
اختلفوا فيما يحصل في الدنيا من الآلام والأسقام، والقَحط، والغَرَق، والمصائب هي هي عقوبات على ذنوب سلفت أم لا؟ فمنهم من أنكر ذلك لوجوه:
الأول: قوله تعالى: {اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}[غافر: ١٧] بيّن تعالى أن ذلك إنما يحصل يوم القيامة وقال تعالى: {مالك يَوْمِ الدين}[الفاتحة: ٤] أي يوم الجزاء، وأجمعوا على أن المراد منه يوم القيامة.
الثاني: مصائب الدنيا يشترك فيها الزنديق، والصِّدِّيق، فيمتنع أن يكون عقوبة على