للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقرأ طلحة: من الذِّلِّ بكسر الذال وقد تقدم الفرق بين الذَّل والذِّل و «مِنْ الذُّلِّ» يتعلق بخاشعين ِأي من أجل. وقيل: هو متعلق بينظرون. وقوله: «مِنْ طَرَفٍ» يجوز في «مِنْ» أن تكون لاتبداء الغاية، وأن تكون تبعيضية وأن تكون بمعنى الباء، والظرف قيل: يراد به العضو وقيل: يراد به المصدر يقال: طرفت عينه تطرف طرفاً أي ينظرون نظراً خفيًّا.

فصل

اعلم أنه ذكر حالهم عند عرضهم على النار، فقال: خاشعين أي خاضعين حقيرين بسبب ما لحقهم من الذل يسارقون النظر إلى النر خوفاً منها وذلة في أنفسهم، كما ينظر المقتول إلى السيف فلا يقدر أن يملأ عينيه منه، ولا يفتح عينه إنما ينظر ببعضها، وإذا كانت من بمعنى الباء أي بطرف خفي ضعيف من الذل.

فإن قيل: إنه قال في صفة الكفار: إنهم يحشرون عمياً فكيف قال هاهنا إنهم ينظرون من طرفٍ خفي؟! فالجواب: لعلهم يكونون في الابتداء هاهنا ثم يصيرون عمياً، أو لعل هذا في قوم وذاك في قوم آخرين. وقيل: معنى ينظرون من طرفٍ خفيٍّ أي ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم يحشرون عمياً والنظر بالقلب خفيّ.

ولما وصف الله تعالى حال الكفار حكى ما يقوله المؤمنون فيهم فقال: {وَقَالَ الذين آمنوا إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة} وقيل: خسروا أنفسهم بأن صاروا إلى النار وأهليهم بأن صاروا لغيرهم إلى الجنة. وهذا القول يحتمل أن يكون واقعاً في الدنيا، وإما أن يقولوه يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة، ثم قال: {أَلَا إِنَّ الظالمين فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} أي دائم. قال القاضي: هذا يدل على أن الكافر والفاسق يدوم عذابهما والجواب: أنّ لفظ الظالم المطلق في القرآن مخصوص بالكافر قال تعالى: {والكافرون هُمُ الظالمون} [البقرة: ٢٥٤] والذي يؤكد هذا قوله تعالى بعد هذه الآية: {وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ الله} والمعنى أن الأصنام التي كانوا يعبدونها لتشفع لهم عند الله تعالى ما أتوا بتلك الشفاعة وهذا لا يليق إلا بالكافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>