قال المحققون: هؤلاء الكفار كفروا في هذا القول من ثلاثة أوجه:
أولها: إثبات الولد.
ثانيها: أن ذلك الولد بنت.
وثالثها: الحكم على هؤلاء الملائكة بالأنوية.
فصل
احتج من قال بتفضيل الملائكة على البشر بهذه القراءات، أما قراءة «عِنْدَ» بالنون، فهذه العندية لا شك أنها عندية الفضل والقرب من الله تعالى بسبب الطاعة ولفظة «هُمْ» يوجب الحصر والمعنى أنهم هم الموصوفون بهذه العندية لا غيرهم، فوجب كونهم أفضل من غيرهم، رعاية للفظ الدال على الحَصْرِ.
وأما قراءة عِبَاد جمع «العَبْد» فقد تقدم أن لفظ العباد في القرآن مخصوصٌ بالمؤمنين، فقوله «عِبَاد الرَّحْمَنِ» يفيد حَصْرَ العُبُودِيَّة فيهم، فَإذَا كَانَ اللَّفظُ الدّالُ على العُبُوديَّة دالاً على حصر الفضل والقرب والشرب لهم وجب كونهم أفضل؛ والله أعلم.
قوله تعالى:{وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ ... } الآية يعنى الملائكة قاله قتادة ومقاتل والكلبي. وقال مجاهد: يعني الأوثان. وإنما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياهم، لرضاه منا بعبادتها وهذا نوع آخر من كفرهم وشبهاتهم.
فصل
قالت المعتزلة: هذه الآية تدل على فساد القول بالجبر في أن كفر الكافر يقع بإرادة الله من وجهين:
الأول: أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: لو شاء الرحمن ما عَبَدْنَاهُمْ وهذا تصريح بقول المجبرة. ثم إنه تعالى أبطله بقولهم:{مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَاّ يَخْرُصُونَ} فثبت بطلان هذا المذهب ونظيره قوله تعالى في سورة الأنعام: {سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا}[الأنعام: ١٤٨] إلى قوله: {قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظن وَإِنْ أَنتُمْ إَلَاّ تَخْرُصُونَ}[الأنعام: ١٤٨] .
الثاني: أنه تعالى حكى عنهم قبل هذه الآية أنواع كفرهم، فِأولها: قوله (تعالى) : {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} وثانيها: قوله: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} : قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ} .