أَن بالفتح أو الكسر. ولكن قال أبو حيان:» وقيل: إذ للتعليل حرف بمعنى أَنْ، يعني بالفتح. وكأنه أراد ما ذكره أبو البقاء إلا أن تسميته «أَنْ» للتعليل مجازاً، فَإِنَّها على حذف حرف العلة أي لأَنْ، فلمصاحبتها لها والاستغناء بها عنها سمَّاها باسمها. ولا ينبغي أن يعتقد أنها في كتاب أبي البقاء بالكسر على الشرطية، لأن معناه بعيدٌ.
وفي كتاب مجاهِدٍ: أن ابن عامر قرأ: إنكم بالكسر، على الاستئناف المفيد للعلة وحينئذ يكون الفاعل مضمراً على أحد التقادير المذكورة.
فصل
المعنى:{وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم} في الآخرة «إذْ ظَلَمْتُمْ» أشركتم في الدنيا {أَنَّكُمْ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ} أي لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف الاشتراك عنكم؛ لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحَظَّ الأوفر من العذاب. وقال مقاتل: لن ينفعكم الاعتذار والندم اليومَ، فأنتم وقرناؤكم اليوم مشتركون في العذاب، كما كنتم في الدنيا تشتركون. واعلم أنه تعالى بين أن الشركة في العذاب لا تفيد التخفيف، كما كان يفيده في الدنيا، والسبب فيه وجوه:
الأول: أن ذلك العذاب الشديد عظيم، واشتغال كل واحد بنفسه يذهله عن حال الآخر، فلا جَرَمَ لم تفد الشركة خفةً.
الثاني: إذا اشترك الأقوام في العذاب، أعان كل واحد منهم صاحبه بما مقدر عليه ليحصل بسببه بعض التخفيف. وهذا المعنى متبدّد في القيامة.
الثالث: أن جلوس الإنسان مع قرينه يُفيده أنواعاً كثيرة من السلوة. فبين تعالى أن الشيطان وإنْ كَانَ قريناً له، إلا أن مجالسته في القيامة لا توجب السلوة وخفة العقوبة؟
قوله (تعالى) : {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِي العمي ... } لما وصفهم في الآية المتقدمة بالعشي وصفهم في هذه الآية بالصمَمِ والعَمَى. وما أحسن هذا الترتيب، وذلك أن الإنسان في أول اشتغاله يطلب الدنيا يكون كمن حصل بعينه رَمدٌ ضعيف، ثم لما كان اشتغاله بتلك الأعمال أكثر كان مَيْلُهُ إلى الجُسمانيَّات أشد، وإعراضه عن الروحانيات أكمل؛