كما تقول لغيرك:«أَتَأْكُلُ أَمْ» أي أَتَأْكُلُ أَمْ لَا تَأْكُلُ؟ لكنك تقتصر على كلمة أم اقتصاراً.
قال أبو عُبَيْدَة: معناها بل أنا خير، وعلى هذا فقد تم الكلام عند قوله: أفلا تبصرون. ثم ابتدأ فقال: أم أنا خير، يعنى بل أنا خير. وقال الباقون أم هذه متصلة، لأن المعنى أفلا تُبْصرُونَ أَمْ تُبْصُرونَ؟ إلا أنه وضع قوله:«أنا خير» موضع: «تبصرون» ، لأنهم إذا قالوا له: أََنْتَ خَيْرٌ فَهُمْ عِنْدَهُ بُصَراءُ.
قوله:{مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ} أي ضعيف حقير يعني موسى {وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} أَيْ يُفْصِحُ لسانُهُ لرُتّةٍ كَانَتْ فِي لِسَانِهِ.
فإن قيل: أليس أن موسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ سئأل الله أن يُزيل الرُّتةَ عن لسانه بقوله: {واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي}[طه: ٢٧، ٢٨] فأعطاه الله ذلك بقوله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى}[طه: ٣٦] فكيف عابه فرعون بتلك الرُّتةِ؟! .
فالجواب من وجهين:
الأول: أن فرعون أراد بقوله: «ولا يكاد يبين» حجته التي تدل على صدقه، ولم يرد أنه لا قدرة له على الكلام.
والثاني: أنه عابه بما كان عليه أولاً، وذلك أن موسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ مكث عند فرعون زماناً طويلاً، وكان في لسانه حبسة فنسبه فرعون إلى ما عهد عليه من الرُّتةِ؛ لأنه لم يعلم أن الله تعالى أزال ذلك العيب عَنْهُ.
قوله تعالى:{فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ} قرأ حفص أَسْوِرَةٌ كأَحْمِرةٍ. والباقون أَسَاوِرَة، فأسورة جمع «سِوَارٍ» كحِمَارٍ، وأَحْمِرَةٍ، وهو جمع قلة. وأَسَاوِرَةٌ جمع إِسْوَار بمعنى سُوار، يقال: سوارُ المرأةِ، وأَسْوَارُهَا. والأصل أَسَاوِير بالياء، فعوض من حرف المد تاء التأنيث، كبطريقِ وبَطَارِقَةٍ، وزِنْدِيقٍ وزَنَادِقَةٍ.