مكة» بالأمن والتَّوْسعة بما يجلب إلى «مكة» فلم يصل إليه جَبّار إلا قَصَمَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ ّ كما فعل بأصحاب الفيل.
فصل في الرد على بعض الشُّبهات
فإن قيل: أليس أن الحَجّاج حارب ابن الزبير، وخرب الكَعْبة، وقصد أهلها بكل سوء وتم له ذلك؟
فالجواب: لم يكن مقصوده تخريب الكمعبة لذاتها، بل كان مقصوده شيئاً آخر.
فإن قيل: ما الفائدة في قول إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: {رَبِّ اجعل هذا البلد آمِناً}[إبراهيم: ٣٥] ، وقد أخبر الله تعالى قبل ذلك بقوله تعالى:{وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}[البقرة: ١٢٥] ؟
فالجواب: من وجوه:
أحدها: أن الله تعالى لما أخبره بأنه جعل البيت مثابة للناس وأمناً، ووقع في خاطره أنه إنما جعل البيت وحده آمناً، فطلب إبرراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ أن يكون الأمن بجميع البلد.
وثانيها: أن يكون قوله تعالى: «وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ» بعد قوله أبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ {رَبِّ اجعل هذا بَلَداً آمِناً} فيكون إجابة لدعئه، وعلى هذا فيكون مقدماً في التلاوة مؤخراً في الحكم.
وثالثها: أن يكون المراد من الأَمْنِ المذكور في قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا البيت مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}[البقرة: ١٢٥] هو الأمن من الأعداء والخيف والخَسْف والمَسْخ، والمراد من الأمن في دعاء إبراهيم هو الأمن من القَحْط، ولهذا قال:{وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات} .
فإن قيل: الأمن والخصب مما يتعلّق بمنافع الدنيا، فكيف يليق بالرسول المعظم طلبها؟
فجوابه من وجوه:
أحدها: أن الدنيا إذا طلبت ليتقوى بها على الدين كان ذلك من أعظم أركان الدين، وإذا كان البلد آمناً مخصباً تفرغ أهلها لطاعة الله تعالى وإذا كان ضد ذلك كانوا على ضد ذلك.
وثانيها: أنه تعالى جعله مثابة للناس، والناس إنما يمكنهم الذَّهاب إليه إذا كانت الطرق آمنةً، والأقوات هناك رخصية.