وقيل: إنَّا كُنَّا (مُنْذِرِينَ) مستأنف، أو جواب ثانٍ من غير عاطف.
قوله:» يُفْرَقُ «يجوز أن تكون مستأنفةً، وأن تكون صفة الليلة وما بينهما اعتراض.
قال الزمخشري: فإن قلتَ: {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} » فِيهَا يُفْرَقُ «ما موقع هاتين الجملتين؟ .
قلتُ: هما جملتان مستأنفتان ملفوفتان، فسر بهما جواب القسم الذي هو:» إنَّا أَنْزَلْنَاهُ «كأنه قيلأ: أنزلناه؛ لأن من شأننا الإنذارَ والتحذيرَ، وكأن إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصاً لأن إنزالَ القرآن من الأمور الحكيمة، وهذه الليلة يفرق فيها كل أمر حكيم.
وقرأ الحسن، والأعرج والأعمش: يَفْرُقُ بفتح الياء، وضَمِّ الراء» كُلَّ «بالنصب، أي يَفْرُقُ اللهُ كُلَّ أمرٍ. وزيدُ بن علي: نَفْرِقُ بنون العظمة،» كُلَّ «بالنصب (كذا) نقله الزمشخري. ونل عن الأهوازي بفتح الياء وكسر الراء كُلّ بالنصب حَكِيمٌ بالرفع على أنه فاعل يَفْرِقُ. وعن الحسن والأعمش أيضاً يُفَرَّقُ كالعامة، إلا أنه بالتشديد.
فصل
استدلوا بهذه الآية على حدوث القرآن من وجوه:
الأول: أن قوله حم تقديره: هذه حم يعني هذا شيء مُؤَلَّف من هذه الحروف والمؤلف من لاحروف المتعاقبة مُحْدَثٌ.
الثاني: أنه ثبت أن الحَلِفَ لا يصح بهذه الأشياء، بل بإِله هذه الأشياء فيكون التقدير: وَرَبِّ حَمَ وَرَبِّ الكِتَابِ المُبِينَ، وكُلُّ ما كان مربوباً فهو مُحْدَثٌ.
الثالث: أنه وصفه بكون» كتاباً «، والكتاب مشتق من الكتبِ، وهو الجمع فمعناه أنه مجموع، والمجموع مَحَلُّ تصرفِ الغير. وما كان كذلك فهو مُحْدَث.