قوله:«ذَلك» يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي الأمر ذلك وأن ينتصب بإضمار «افْعَلُوا» . قال ابن الخطيب: ويحتمل أن يقال: واجبٌ أو مقدمٌ كما يقول القائل: إنْ فعلت فذاك، أي فذاك مقصود ومطلوبٌ.
فصل
قال المفسرون: معناه «ذلك» الذي ذكرت وبيّنت من حكم الفكار، {وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} فأهلكهم وكفاهم أمرهم بغير قتال، «ولكن» أمركم بالقتال {لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب، ومن قتل من الكافرين إلى العذاب.
فإن قيل: ما التحقيق في قولنا: التكليف ابتلاء وامتحان والله يعلم السِّرَّ وأخْفَى؟
فالجواب من وجوه:
الأوّل: أن المراد منه يفعل ذلك فعل المسلمين أي كما يقول المبتلى المُخْتَبَر.
الثاني: أن الله تعالى يَبْلُو ليظهر الأمر لغيره، إما للملائكة، أو للناس والتحقيق هو أن الابتلاء والاختبار فعل يظهر بسببه أمر ظاهر.
فإن قيل: فائدة الابتلاء حصول العلم عند المبتلي، فإذا كان الله عالماً فَأَيُّ فائدةٍ فيه؟
فالجواب: أن هذا السؤال كقول القائل لم عاقب الكافر وهو مُسْتَغْنٍ؟ ولم خلق النار مُحْرِقَةً وهو قادر على أن يخلقها بحيث تنفع ولا تضر؟ وجوابه: لَا يُسْألُ عَمَّا يَفْعَلُ (وَهُمْ يُسْأَلُونَ) ؟
قوله:{والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} قرأ العامة قَاتَلُوا. وأبو عمرو وحفصٌ قُتِلُوا مبنياً للمفعول على معنى أنهم قُتِلُوا وماتوا؛ أصاب القتل بعضهم كقوله:{قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ}[آل عمران: ١٤٦] . وقرأ الجَحْدَرِيّ: قَتَلُوا بفتح القاف والتاء خفيفة ومفعوله محذوف. وزيد بن ثابت والحسن وعيسى قُتِّلُوا، بتشديد التاء مبنياً للمفعول.