للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: {افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق} [الأعراف: ٨٩] وقوله: {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق} [سبأ: ٢٦] . فمن قال: هو فتح مكة قال: لأنه مناسب لآخر السورة التي قبلها من وجوه:

أحدهما: أنه تعالى لما قال: {هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} إلى أن قال: {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} وبين تعالى أنه فَتَحَ لهم مكة، وغَنِموا ديراهم، وحصل لهم أضعاف ما أنفقوا؛ ولو بخلوا لضاع عليهم ذلك فلا يكون بخلهم إلا على أنفسهم.

وثانيها: لما قال: «واللهُ مَعكُمْ» وقال: «وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ» بين برهانه بفتح مكة فإنهم كانوا هم الأعلون.

وثالثها: لما قال تعالى: {فَلَا تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم} وكان معناه لا تسألوا الفتح بل اصبروا فإنكم تسألون الصلح كما كان يوم الحديبية فكان المراد فتح مكة حيث أتوا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ مستأمنين ومؤمنين ومسلمين ومستسلمين.

فإن قيل: إن كان المراد فتح مكة فمكة لم تكن فتحت فكيف قال: فتحنا بلفظ الماضي؟

فالجواب من وجهين:

أحدهما: فتحنا في حُكْمِنا وتَقْدِيرِنا.

والثاني: ما قدره الله تعالى فهنو كائن فأخبر بصيغة الماضي إشارة إلى أنه أمرٌ واقعٌ لا دَافِعَ له.

وأما حجة رأي الأَكْثرِين على أنه صلح الحديبية فلِمَا رَوَى البراء قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحاً ونحن نَعُدُّ الفتحَ بيعةَ الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مائةً والحديبيةُ بئرٌ فَنَزَحَنَاهَا فلم تنزل قَطْرَةٌ فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأتاها فجلس على شفيرها فدعا بإناءٍ من ماءٍ فتوضأ ثم تَمَضْمَضَ ودعا وَصبَّهُ فيها فتركناها غير بعيد. ثم إنها أَصْدَرَتْنَا ما شئنا نحن وركابنا. قال الشعبي في قوله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} قال: فتح الحديبية غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأطعموا نَخْل خيبر، وبلغ الهديْ مَحِلّه وظهرت الروم على الفرس ففرح المؤمنون بظهر أهل الكتاب على المَجُوسِ. قال الزهري: ولم يكن فتح أعظمُ من صُلْحِ الحُدْيبِيَةِ، وذلك أن

<<  <  ج: ص:  >  >>