فالجواب: أن النعمة كانت قد وصلت إليهم، وكانوا مُتَقَلِّبين في النِّعم فلم يُذَكِّرْهم به، وإنما كانوا غافلين عن الهلاك فأنذرهم به وأما في الآخرة فكانوا غافلين عن الأمْرين جميعاً فأخبرهم بها.
وقوله:{هَلْ مِن مَّحِيصٍ} استفهام بمعنى الإنكار أي لم يكن لهم محيصٌ. وقيل: هو كلام مستأنف كأنه تعالى يقول لقوم محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - هم أهلكوا مع قوة بطشهم فهل من محيص لكم تَعْتَمِدُونَ عَلَيْه؟
ومن قرأ بالتشديد فهو مفعول أي بحثوا عن المَحِيص {هَلْ مِن مَّحِيصٍ؟} .
والمَحِيصُ كالمَحِيدِ غير أن المحيص مَعْدَل ومهرب عن الشدة بدليل قولهم:«وَقَعَوا فِي حَيْصَ بَيْصَ» أي في شدةٍ وضيق، والمَحِيدُ مَعْدَلٌ وإن كان بالاختيار، فيقال: حَادَ عن الطَّريق بَطراً. ولا يقال: حَاصَ عن الأَمر بَطَراً.
قوله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى} ذلك إشارة إلى الإهلاك، أو إلى إزلاف الجنة. و «الذّكرى» مصدر أي تَذْكِرةٌ وعظةٌ {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} .
قال ابن عباس - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) -: أي عَقْل. قال الفراء: هذا جائز في العربية تقول: مَا لَكَ قَلْبٌ وَلَا قَلْبُكَ مَعَكَ، أي عَقْلُك مَعَكَ.
وقيل: له قلب حاضر مع الله. وقيل: قلبٌ واع؛ وذلك لأن من لا يتذكر كأنَّه لا قلب له، ومنه قوله تعالى:{أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الأعراف: ١٧٩] أي هم كالجماد، وقوله تعالى:{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ}[المنافقون: ٤] أي لهم صُوَر، وليس لهم قلب، ولا لسانٌ للشُّكْر.