حالة الكلام مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كانت ما تركت من شيء إلا جعلته كالرميم فكيف قال بلفظ الحال: ما تذر؟!
فالجواب: أنّ الحكايات مقدرة على أنها محكية حال الوقوع، كقوله تعالى:{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد}[الكهف: ١٨] مع أن اسم الفاعل بمعنى الماضي لا يعمل، وإنما يعمل ما كان منْه بمعنى الحال والاستقبال.
فإن قيل: هل في قوله تعالى: {مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ} تخصيص كما في قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}[الأحقاف: ٢٥] .
فالجواب: أن المراد به المبالغة، لأن قوله:«أَتَتْ عَلَيْهِ» وصف لقوله: «شَيْء» كأنه قال: كُلّ شيءٍ أَتَتْ عَلَيْه، أو كل شيء تأتي عليه، ولا يدخل فيه السموات، لأنها ما أتت عليه، وإنما يدخل فيه الأجسام التي تَهُبُّ عليها الرِّياحُ.
فإِن قيل: فالجبال والصخور أتت عليه وما جعلته كالرَّميم! .
فالجواب: أن المراد أتت عليه قاصدةً له وهو عادٌ وأبنيتُهم وعروشُهم لأنها كانت مأمورة بأمر من عند الله فكأنها كانت قاصدة لهم، فما تركت شيئاً من تلك الأشياء إلا جعلته كالرميم.
قوله:{إِلَاّ جَعَلَتْهُ كالرميم} هذه الجملة في موضع المفعول الثاني ل «تَذَرُ» كأنه قيل: مَا تَتْركُ مِنْ شيء إلا مجعولاً نحو: مَا تَرَكْتُ زَيْداً إلَاّ عَالِماً. وأعربها أبو حيان: حالاً. وليس بظاهر.
فصل
المعنى «مَا تَذَرُ» ما تترك {مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ} من أنفسهم وأموالهم وأنعامهم {إلَاّ جعلته كالرميم} أي كالشيء الهالك البالي، وهو نبات الأرض إذا يَبِسَ ودِيسَ. قال مجاهد: كالتِّبْن اليابسِ.
وقال أبو العالية: كالتراب المدقُوق. وقيل: أصله من العظم البَالي.