قال الزمخشري: كما تقول: ما زيد؟ تريد: أفقيه أم طبيب، أم غير ذلك من الصفات؟
الثالث: أن المعبودات في ذلك الوقت كانت غير عقلاء، كالأوثان والأصنام والشمس والقمر، فاستفهم ب «ما» التي لغير العاقل، فعرف بَنُوه ما أراد، فأجابوه عنه بالحق.
الرابع: أنه اختبرهم وامتحنهم فسألهم ب «ما» دون «من» ، لئلا يَطْرُق لهم الاهتداء، فيكون كالتلقين لهم، ومقصوده الاختبار.
وأجاب ابن الخطيب بوجهين:
الاول: أن «ما» عام في كل شيء، والمعنى: أي شيء تعبدون.
والثاني: قوله: «مَا تَعْبُدُونَ» كقولك عند طلب الحد والرسم ما الإنسان؟
وقوله: «مِنْ بَعْدي» أي: بعد موتي.
قوله: {قَالُواْ نَعْبُدُ إلهك وإله آبَائِكَ} .
تمسّك المقَلِّدة بهذه الآية الكريمة قالوا: إن أبناء يعقوب اكتفوا بالتقليد، ولم ينكره عليهم.
والجواب: أن هذا ليس تقليداً، وإنما هو إشارة إلى ذكر الدليل على وجود الصَّانع كقوله: {يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ} [البقرة: ٢١] فهاهنا المراد من قوله: {نَعْبُدُ إلهك وإله آبَائِكَ} أي: الإله الذي دلّ عليه وجودك، ووجود آبائك.
فصل في نزول هذه الآية
قال القَفَال: وفي بعض التفاسير أن يعقوب عليه السلام لما دخل «مصر» رأى أهلها يعبدن النيران والأوثان، فخاف على بنيه بعد وفاته، فقال لهم هذا القول تحريضاً لهم على التمسّك بعبادة الله تعالى.
وحكى القاضي عن ابن عباس: أن يعقوب عليه السَّلام جميعهم إليه عند الوفاة، وهم كانوا يعبدون الأوثان والنيران، فقال: يا بني ما تبعدون من بعدي؟ قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك.
ثم قال القاضي: هذا بعيد لوجهين:
الأول: أنهم بادروا إلى الاعتراف بالتوحيد مبادرة من تقدم منه العلم واليقين.
الثاني: أنه تعالى ذكر في الكتاب الأَسْبَاط من أولاد يعقوب، وأنهم كانوا قوماً صالحين، وذلك لا يليق بحالهم.