واحتج أبو حنيفة رَضِيَ اللهُ عَنْه بأدلة منها هذه الآية الكريمة، وأنه أطلق لفظ الأب على الجد.
فإن قيل: قد أطلقَهُ على العمِّ، وهو إسماعيل مع أنه ليس بأب اتفاقاً.
فالجواب: الأصل في الاسْتِعْمَال الحقيقة وترك العمل به في العم لدليل قام به، فيبقى في الثاني حجة.
والثاني: منها قوله تبارك وتعالى مخبراً عن يوسف: {واتبعت مِلَّةَ آبآئي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ}[يوسف: ٣٨] .
ومنها: ما روى عطاء عن ابن عباس أنَّهُ قال: من شاء لَاعَنْتُهُ عند الحجر الأسود أنّ الجدّ أب.
وقال أيضاً: ألا لا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن أبناً، ولا يجعل أب الأب أباً.
واحتجَّ الإمام الشافعي رَضِيَ اللهُ عَنْه وأرضاه بأدلّة.
منها:{ووصى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ}[البقرة: ١٣٢] فلم يدخل يعقوب في بنيه، بل ميَّزه عنهم، فلو كان الصاعد في الأبوَّة أباً لكان النازل في النبوَّة ابناً في الحقيقة، فلما لم يكن كذلك ثبت أن الجدَّ ليس بأب [ومنها أن الأب لا يصح نفي اسم الأبوة عنه بخلاف الجد، فعلمنا أنه حقيقة من الأب مجاز الجد] . ولو كان الجد أباً على الحقيقة لما صح لِمَنْ مات أبُوه وجدُّه حَيٌّ أن ينفي أنَّ له أباً، كما لا يصح في الأب القريب، ولما صح ذلك علمنا أنه ليس بأب في الحقيقة.
فإن قيل: اسم الأبوة وإن حصل في الكل إلا أنَّ رُتْبَةَ الأدنى أقْرَبُ من رتبةِ الأبعد، فلذلك صح فيه النفي.
فالجواب: لوك كان الاسم حقيقة فيهما جميعاً لم يكن الترتيب في الوجود سبباً لنفي اسم الأب عنه.
ومنها: لو كان الجد أباً على الحقيقة لصحَّ القول بأنَّهُ مات، وخلف أُمًّا وآباء كثيرين، وذلك مما لم يطلقه أحدٌ من الفقهاء، وأرباب اللغة، والتفسير.
ومنها:[ول كان الجدُّ أباً ولا شكَّ] أنَّ الصحابة عارفون باللغة لما كانوا يختلفون في ميراث الجدن ولو كان الجد أباً لكانت الجدة أُمًّا، ولو كان كذلك لما وقعت الشُّبهة في ميراث الجدة حتى يحتاج أبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْه إلى السؤال عنه، [فهذه الدلائل دلت على أنَّ الجدَّ ليس بأب] .