للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حوادث الدهر وصروفه وذلك أن العرب كانت تحترز عن إيذاء الشعراء، فإن الشعر كان عندهم يحفظ ويدون فقالوا: لا نعارضه في الحال مخافة أن يغلبنا بقوة شِعْره وإنما نصبر وَنَتَربَّصُ موتَهُ ويَهْلِك كما هلك من قبله من الشعراء ويتفرق أصحابه وإنّ أباه مات شاباً ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه. والمنون يكون بمعنى الدهر فيكون بمعنى الموت سُمِّيَا بذلك لأنَّهما يقطعان الأجل. أو يقال: إنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كان يقول: إن الحَقَّ دين الله، وإنَّ الشرع الذي أتيت به يبقى أبد الدهر، وكتابي يُمْلَى إلى قيام الساعة فقالوا: ليس كذلك إنما هو شاعر والذي يذكره شعر ولا ناصر له وسيصيبه من بعض آلهتنا الهَلَاك فنتربص به ذلك. وَرَيْبُ المَنُون: هو اسم للموت فَعُولٌ من المَنِّ، وهو القطع.

ويحتمل وجهاً آخر وهو أن يكون المراد انه إذا كان شاعراً فصروف الزمان ربما تضعف ذِهْنَهُ وتُورثُ وَهَنَهُ فيتبين لكل أحد فساد أمره وكساد شعره.

قوله: «قُلْ تَرَبَّصُوا» أي انتظروا بي الموت.

فإن قيل: هذا أمر للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولفظ الأمر يوجب المأمور به أو يُبِيحُه ويجوزه وتربصتم كان حراماً.

فالجواب: ليس ذلك بأمر وإنما هو تهديد أي تربصوا فإني متربصٌ الهلاك بكم كقول الغَضْبَانِ لعبده: افْعَلْ مَا شِئْتَ فإني لَسْتُ عَنْكَ بغافلٍ.

فإن قيل: لو كان كذلك لقال: تَرَبَّصوا أو لا تَتَرَبَّصُوا كما قال: {اصبروا أَوْ لَا تَصْبِرُواْ} [الطور: ١٦] .

فالجواب: ليس كذلك، لأن ذلك يفيد عدم الخوف أكثر.

قوله: {فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المتربصين} أي أتربصُ هَلَاكَكُمْ، وقد أهلكوا يوم بدر وغيره من الأيَّام. قال ابن الخطيب: ويحتمل أن يكون معناه إذا قلنا: (إن) ريب المنون صروفُ الدهر فمعناه إنكار كَوْن صروف الدهر مؤثرة فكأنه يقول: أَنَا مِنَ المتربِّصين حتى أُبْصِرَ ماذا يأتي به الذي تجعلونه مهلكاً وماذا يُصِيْبُني منه.

قوله: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ} عقولهم {بهاذآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} والإشارة بقوله: «بِهَذَا» إلى ما ظهر منهم عقلاً ونقلاً. وهو عبادة الأوثان وقولهم الهَذَيَان. وقيل: إشارة إلى قولهم: كَاهنٌ وشاعرٌ ومجنونٌ. وقيل إشارة إلى التربص وذلك أن الأشياء إما أن

<<  <  ج: ص:  >  >>