قال الحسن وسعيد بن جبير وقتادة: عمل ما أمر به، وبلغ رسالةَ ربه إلى خلقه. وقال مجاهد: وفى بما فرض عليه. وقال الربيع: وفى رُؤْياه وقام بذبح ابْنه. وقال عطاء الخراساني: استكمل الطاعة. وقال أبو العالية: هو الإتمام في قوله تعالى: {وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}[البقرة: ١٢٤] والتوفية الإتمام. وقال الضحاك: وفَّى المناسك. وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال:«إبرَاهِيمُ الَّذِي وَفَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ» .
قوله:{أَلَاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى}«أن» مخففة من الثقيلة واسمها محذوف هو ضمير الشأن و «لَا تَزِرُ» هو الخبر. وجيء بالنفي لكون الخبر جملة فعلية متصرفة غير مقرونة كما تقدم تحريره في المائدة. و «أن» وما في حيّزها فيها قولان:
أظهرهما: الجر بدلاً من «ما» في قوله {بما في صحف} .
والثاني: الرفع خبراً لمبتدأ مضمر أي ذَلِك أن لا تزرُ أو هو أن لا تزرُ. وهو جواب لسؤال مقدر؛ كأن قائلاً قال: وما في صحفهما؟ فأجيبَ بذلك.
قال شهاب الدين: ويجوز أن يكون نصباً بإضمار «أعني» جواباً لذلك السائل وكل موضع أضمر فيه هذا المبتدأ لهذا المعنى أضمر فيه هذا الفِعل.
فصل
معنى الآية: أنه لا تحمل نفسٌ حِمْلَ أخرى أي لا تُؤخَذُ نفس بإثم غيرها. وفي هذا إبطال قول من ضمن للوليد بن المغيرة أن يحمل عنه الإِثم.
وروى عكرمة عن ابن عباس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما) قال: كانوا قبل إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ يأخذون الرجل بذنب غيره وكان الرجل يُقْتَلُ بقَتْل أبيه وابنه وأخواته حتى جاءهم إبراهيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فنهاهم عن ذلك وبلغهم عن الله عَزَّ وَجَلَّ أن لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخْرى.
فإن قيل: الآية مذكورة لبيان أن وِزْرَ الرجل لا يحمل عنه وبهذا الكلام لا تحصل هذه الفائدة، لأن الوَازِرَةَ تكون مثقلةً بوِزْرِها وكل أحد يعلم أنها لا تحمل شيئاً فلو قال: لا تحمل فارغة وزر أخرى كان أبلغ.