إلى قرينةٍ عند الاستعمال فكما لا يحمل اللفظ على العين الناظرة إلا بقرينة كذلك لا يحمل على الفَوَّارَةِ إلا بقرينة، مثل شَرِبْتُ مِنَ العَيْنِ واغْتَسَلْتُ مِنْهَا ونحوه.
فإِن قيل: من أين علمت أن العين حقيقة في الناظرة؟ .
قلنا: لأن الأفعال أخذت منه، ولم تؤخذ من اليُنْبُوع، فيقال: عَانَهُ يَعِينُهُ إذا أصابه بالعين وعَايَنهُ مُعَايَنَةً وعِيَاناً.
قال عُبَيْدُ بْنْ عُمَيْرٍ: أوحى الله تعالى إلى الأرض أن تُخْرِجَ ماءها فتفجرت بالعيون وأي عين تأخرت غضب عليها فجعل ماءها مُرًّا إلى يوم القيامة.
قوله:«فَالتَقَى المَاءُ» لما كان المراد بالماء الجنس صَحَّ أن يقال: فَالْتَقَى الماءُ كأنه قال: فالتقى ماءُ السماء وماءُ الأرض. وهذه قراءة العامة. وقرأ الحسن والجَحْدَريُّ ومُحَمَّد بن كَعْب وتروى عن أمير المؤمنين أيضاً:«المَاءَانِ» تثنية والهمزة سالمة أي النوعان منه ماء السماء وماء الأرض؛ لأن الالتقاء إنما يكون بين اثنين. وقرأ الحسن أيضاً:«المَاوَانِ» بقلبها واواً، وهي لغةَ طيِّىءٍ. قال الزمخشري كقولهم: عِلْبَاوَانِ، يعني أنه شبه الهمزة المنقلبة عن هاء بهمزة الإِلحاق.
وروي عنه أيضاً المَايَان بقلبها ياء، وهي أشدُّ مما قبلها.
قوله:«قَدْ قُدِرَ» العامة على التخفيف. وقرأ ابن مِقْسِم وأبو حيوة بالتشديد. هما لغتان قرىء بهما في قوله:{قَدَّرَ فهدى}[الأعلى: ٣]{فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}[الفجر: ١٦] كما سيأتي.
فصل
قيل: معنى قد قدر أي حال قدرها الله كما شاء قضى عليهم في أُمّ الكتاب. وقال مقاتل: قدَّر الله أن يكون الماءانِ سواءً، فكانا على ما قَدَّره. وقيل: على مَقَادِير؛ وذلك لأن المفسّرين اختلفوا، فمنهم من قال كان ماء السماء أكثر، ومنهم من قال: ماء الأرض. ومنهم من قال: كانا متساوِيَيْن، فقال على مقدار كان وقال قتادة: قدر لهم إذا كفروا أن يغرقوا.