والمعنى «سَيَعْلَمُون غَداً» حين يَنْزِلُ عليهم العذاب. قال الكلبي: يعني يوم القيامة. وذكر الغد للتقرِيبِ على عادة الناس يقولون: إنَّ مَعَ الْيَوْم غَداً.
فصل
الكذَّاب فعال صيغة مبالغة، لأن المنسوب إلى الشيء لا بدَّ له من أن يكثر من مزاولة الشيء، فإنَّ من خاط يوماً لا يقال له: خيَّاط فالمبالغة ههنا إما في الكثرة بأن يكون كثيرَ الكذب، وإمّا في الشدة أي شديد الكذب، يقول ما لا يقبله العقل. ويحتمل أن يكونوا وصفوه بذلك لاعتقادهم الأمرين جميعاً. وقولهم «أشِرٌ» إشارة إلى أنه كذب لا لضرورة وحاجة وإنما هو استغنى فبَطَرَ وطلب الرِّئَاسَةَ.
قوله:{إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة} أي مُخْرِجُوهَا من الهَضَبَة التي سألوا.
وأتى باسم الفاعل والإضافة مبالغة في حقيقته كأنه وقع «فِتْنَةً» مفعول به، أو مصدر من معنى الأول أو في موضع الحال.
روي
أنهم
تعنتوا
على صالح فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقةً حمراءَ عُشَرَاءَ، فقال الله:{إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة فِتْنَةً لَّهُمْ} محنةً واختباراً؛ فقوله:«فتنة» مفعول له؛ لأن المعجزة فتنة؛ لأن بها يتميز المُثَابُ من المعذب، فالمعجزة تصديق، وحينئذ يفترق المصدِّق من المُكَذِّب.
أو يقال: إخراج الناقة من الصخرة معجزة، ودورانها بينهم، وقسمة الماء كان فتنةً، ولهذا قال:«إنَّا مُرْسِلُواْ» ولم يقل: مُخْرِجُو.
قوله:«فَارْتَقِبْهُمْ» أي انتظر ما يصنعون «وَاصْطَبِرْ» أي اصبر على أَذَاهُمْ وأصل الطاء في «اصْطَبِرْ»«تاء» فتحولت طاءً، لتكون موافقةً للصاد في الإطباق.
قوله:«وَنَبِّئْهُمْ» أي أخبرهم {أَنَّ المآء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} أي بين آل ثمود وبين الناقة لها يوم ولهم يوم، كقوله تعالى:{لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ}[الشعراء: ١٥٥] فالضمير في (بينهم) لقوم صالح والناقة فغلّب العاقل.
وقرأ العامة: قِسْمة بكسر القاف - ورُوِيَ عن أبي عمرو فَتْحُها - وهو قياس