أحدهما: أن الكلام تمّ عند قوله: {وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ النذر} وقوله: «كَذَّبُوا» كلام مستأنف، والضمير عائد إلى كل مَنْ تقدم ذكرهم من قوم نوح إلى آل فرعون.
والثاني: أن الحكاية مسوقةٌ على سياق ما تقدم فكأنه قيل: فَكَيْفَ كَانَ؟ فقال: كذبوا بآياتنا كلها فَأَخَذْنَاهُمْ.
فعلى الوجه الأولى آياتنا كلها ظاهر، وعلى الثاني المراد بالآيات التي كانت مع موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كالعصا، واليد، والسِّنِينَ، والطمسِ، والجرادِ، والطوفانِ، والجرادِ، والقُمَّلِ، والضفادعِ والدَّمِ.
قوله:{فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ} هذا مصدر مضاف لِفاعله، والمعنى أخَذْنَاهُمْ بالعذاب أخَذْ عَزِيزٍ غالب في انتقامه (مُقْتَدِرٍ) قادرٍ على إهلاكهم، لا يُعْجِزُه مَا أرَادَ.
ثم خوف أهل مكة فقال:{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} أي أشد وأقوى من الذين أحللت بهم نِقْمَتي من قوم نوح وعاد وثمود، وقم لوط. وهذا استفهام بمعنى الإنكار، أي ليسوا بأقوى منهم، فمعناه نفي أي ليس كفاركم خيراً من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم.
وقوله:«خَيْرٌ» مع أنه لا خير فيهم إما أن يكون كقول حسان:
أهو بحسب زعمهم، واعتقادهم، أو المراد بالخير شدة القوة، أو لأن كل مُمْكِن فلا بدّ وأن يكون فيه صفات محمودة، والمراد تلك الصفات.
{أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزبر} أي في الكتب المنزلة على الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بالسلامة من العقوبة. وقال ابن عباس - (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -) أم لكم في اللوح المحفوظ براءة من العذاب.
قوله:«أَمْ يَقُولُونَ» العامة على الغيبة، وأبو حيوة وأبو البَرَهسم وموسى الأسوَاريّ بالخطاب، جرياً على ما تقدم من قوله:«كُفَّارُكُمْ خَيْرٌ» ... إلى آخره. والمعنى نحن جماعة لا نُطَاقُ لكثرة عددهمْ وقوتهم، ولم يقل: منتصرين اتباعاً لرؤوس الآي.