واختلف حينئذ عن ماذا انْتَصَبَ هذا المصدر؟
فقيل: عن قوله:» قولوا: آمنا «.
وقيل عن قوله:» ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ «.
وقيلك عن قوله:» فَقَد اهْتَدُوا «.
الثاني: أن انتصابها على الإغراء أي: الزموا صبغة الله.
وقال أبو حيان وهذا ينافره آخر الآية، وهو قوله: {وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} [فإنه خبر والأمر ينافي الخبر] إلا أن يقدر هنا قول، وهو تقدير لا حاجة إليه، ولا دليل من الكلام عليه.
الثالث: أنها بدل من» ملة «وهذا ضعفيف؛ إذ قد وقع الفصل بينهما يجمل كثيرة.
الرابع: انتصابها بإضمار فعل أي: اتبعوا صِبْغَةَ الله، ذكر ذلك أبو البقاء مع وجه الإغراء، وهو في الحقيقة ليس زائداً فإنَّ الإغراء ايضاً هو نصب بإضمار فعل.
قال الزمخشري رَحِمَهُ اللهُ: هي أي الصبغة من» صَبَغَ «كالجِلْسَة من» جَلَس «، وهي الحالة التي يقع عليها الصَّبْغُ، والمعنى: تطهير الله؛ لأن الإيمان يطهر النُّفُوس.
فصل في الكلام على الصّبغ
الصّبغ ما يلون به الثياب ويقال: صبغ الثوب يصبغُهُ بفتح الباء وكسرها وضمها ثلاث لغات صبغاً بفتح الصاد وكسرها.
و» الصِّبْغة «فعلة من صبغ كالجِلْسَة من جلس، وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ.
ثم اختلفوا في المراد بصبغة الله على أقوال:
الأول: أنه دين الله، وذكروا في تسمية دين الله بالصبغة وجوهاً.
أحدها: أن بعض لنصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية، ويقولون: هو تطهير لهم. وإذا فعل الواحد بولده ذلك قال: الآن صار نصرانياً فأمر المسملون أن يقولوا: آمنا وصبغنا الله صِبْغة لا مثل صِبْغتكم، وإنما جيء بفلظ الصِّبغة على طريق المُشَاكلة كما توقول لمن يغرس الأشجار: [اغرس كما يغرس فلان، تريد رجلاً يصطنع الكرم.
والسبب في إطلاق لفظ الصبغة على الدين طريقة المُشَاكلة كما تقول لمن يغرس الأشجار وأنت تريد أن تأمره بالكرم] : اغرس كما يغرس فلان، تريد رجلاً مواظباً على الكرم.