للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى الآية: أنكم مكذبون بالرِّزق، أي؛ تضعون الكذب مكان الشُّكر، كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ البيت إِلَاّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: ٣٥] ، أي: لم يكونوا يصلون، ولكنهم كانوا يصفرون ويصفقون مكان الصَّلاة.

قال القرطبي: وفيه بيان أن ما أصاب العباد من خير، فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكون أسباباً، بل ينبغي أن يروه من قبل الله - تعالى - ثم يقابلونه بشكر إن كان نعمة، أو صبر إن كان مكروهاً تعبداً له وتذلُّلاً.

وروى علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قرأ: {وتجعلون شكركم أنكم تكذبون} خفيفة.

وعن ابن عباس أيضاً: أن المراد به الاستسقاء بالأنواء، وهو قول العرب: مُطِرْنَا بنوءِ كذا، رواه علي بن أبي طالب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.

وفي «صحيح مسلم» عن ابن عبَّاس قال: «مطر النَّاس على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» أصْبَحَ من النَّاسِ شَاكِرٌ ومنهُمْ كَافرٌ «.

فقال بعضهم: هذه رحمة الله؛ وقال بعضهم: لقد صدق نَوْء كذا وكذا، قال: فنزلت هذه الآية: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم} حتى بلغ {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} » .

وعنه أيضاً: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خرج في سفر فعطشوا، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» أرأيْتُمْ إن دعوْتُ اللَّهَ لكُم فسُقيْتُمْ لعلَّكمْ تقولون: هذا المطرُ بنَوْءِ كذا «، فقالوا: يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء. فصلّى ركعتين، ودعا ربه، فهاجتْ ريح، ثم هاجت سحابة فمطروا، فمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ومعه عصابةٌ من أصحابه برجل يغترف بقدح له، وهو يقول: سقينا بنوء كذا، ولم يقل هذا من رزق الله، فنزلت: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} » .

أي: شكركم لله على رزقه إياكم أنكم تكذبون بالنعمة، وتقولون: سقينا بنوء كذا، كقولك: جعلت إحساني إليك إساءة منك إليّ، وجعلت إنعامي إليك أن اتَّخذتني عدُوًّا.

قال الشَّافعي: لا أحب لأحدٍ أن يقول: مُطِرنَا بنوء كذا، وإن كان النَّوْءُ عندنا الوقت المخلوق لا يضر، ولا ينفع، ولا يمطر، ولا يحبس شيئاً من المطر، والذي أحبّ

<<  <  ج: ص:  >  >>