فقالوا بعد مدة: لو ذكرتنا، فأنزل الله تعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله} الآية.
وقيل: هذا خطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد - عليهم الصلاة والسلام - لأنه قال عقيبه:{والذين آمَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ}[الحديد: ١٩] أي: ألم يأن للذين آمنوا بالتوراة والإنجيل أن تلين قلوبهم للقرآن، وألَاّ يكونوا كمتقدمي قوم موسى وقوم عيسى؛ إذ طال عليهم الأمد بينهم وبين نبيهم، فقَسَتْ قلوبهم.
قوله:{وَمَا نَزَلَ} .
قرأ نافع وحفص:«نَزَل» مخففاً مبنيًّا للفاعل.
وباقي السبعة كذلك إلَاّ أنها مشددة.
والجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو في رواية:«ما نزّل» مشدداً مبنيًّا للمفعول.
وعبد الله:«أنْزَل» مبنيًّا للفاعل، وهو الله تعالى.
و «ما» في قراءة «ما نزل» مخففاً، يتعين أن تكون اسمية، ولا يجوز أن تكون مصدرية لئلا يخلو الفعل من الفاعل، وما عداها يجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون بمعنى «الذي» .
فإن قلت: فقراءة الجحدري ومن معه ينبغي أن تكون فيها اسمية لئلَاّ يخلو الفعل من مرفوع؟ فالجواب: أن الجار وهو قوله: «من الحقّ» يقوم مقام الفاعل.
فصل في معنى الآية
قال ابن الخطيب: يحتمل أن يكون المراد بذكر الله، وما نزل من الحق هو القرآن؛ لأنه جامع للوصفين الذِّكر والموعظة، وأنه حق نازل من السماء، ويحتمل أن يكون المراد هو ذكر الله مطلقاً، و {ما نزل من الحقّ} هو القرآن، وإنما قدم الخشوع بالذكر على الخشوع بما نزل من القرآن؛ لأن الخشوع والخوف والخشية لا تحصل إلا عند ذكر الله تعالى، فأما حصولها عند سماع القرآن، فذلك لأجل اشتمال القرآن على ذكر الله.