وقيل: لما نزلت: {أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ}[القصص: ٥٤] افتخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فنزلت هذه الآية.
فإن قيل: إنه - تعالى - لما أعطاهم كِفْلَيْنِ، وأعطى المؤمن كفلاً واحداً كان حالهم أعظم.
فالجواب: أنه لا يبعد أن يكون النَّصيب الواحد أزيد قدراً من النصيبين.
روى أبو موسى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه قال:«ثَلاثَةٌ يُؤتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رجُلٌ كانَتْ لَهُ جَاريةٌ فأدَّبهَا وأحْسَنَ أدبهَا، ثُمَّ أعتَقَهَا وتَزوَّجَهَا، ورجُلٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ آمَنَ بِكِتَابِهِ، وآمَنَ بمُحمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعبدٌ أحْسَنَ عبادةَ اللَّهِ ونَصَحَ سَيِّدَهُ» .
قوله:{وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً} .
قال مجاهد: أي: بياناً وهدى.
وقال ابن عباس: هو القرآن.
وقيل: ضياء يمشون به في الآخرة على الصراط، وفي القيامة إلى الجنة، وهو النور المذكور في قوله تعالى {يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم}[الحديد: ١٢] .
وقيل: تمشون به في الناس تدعونهم إلى الإسلام، فتكونون رؤساء في دين الإسلام لا تزول عنكم رياسة كنتم فيها، وذلك أنهم خافوا أن تزول رياستهم لو آمنوا بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإنما كان يفوتهم أخذ رشوة يسيرة من الضعفة بتحريف أحكام الله تعالى، لا الرِّياسة الحقيقية في الدين ثم قال:{وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} ، أي: ما أسلفتم من المعاصي، {والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .