ولهذا قال المفسرون: الاعتبار هو النظر في حقائق الأشياء وجهات دلالتها ليعرف بالنظر فيها شيء آخر من جنسها.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {يا أولي الأبصار} .
قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما يريد أهل اللُّب والعقل والبصائر.
قال الفراء: أي من عاين تلك الوقائع والأبصار جمع البصر.
ومن جملة الاعتبار هنا أنهم اعتصموا بالحُصُون من الله، فأنزلهم الله - تعالى - منها، وسلط عليهم من كان ينصرهم، وأنهم هدموا أموالهم بأيديهم، ومن لم يعتبر بغيره اعتبر في نفسه.
واستدل الأصوليون بهذه الآية على وجوب العمل بالقياس.
وقوله تعالى: {وَلَوْلَا أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء} .
العامة: على مده وهو الإخراج.
يقال: أجليت القوم، وجلا هو جلاء.
وقال الماوردي: الجلاء أخصّ من الخروج؛ لأنه لا يقال إلا لجماعة، والإخراج يكون للجماعة والواحد.
وقال غيره: الفَرْق بينهما أن الجلاء كان مع الأهل والولد، بخلاف الإخراج فإنه لا يستلزم ذلك.
وقرأ الحسن وعلي ابنا صالح: «الجَلَا» بألف فقط.
وطلحة: مهموزاً من غير ألف ك «النبأ» .
والمعنى: أنه لولا أنه قضى أنه سيجليهم عن ديارهم، وأنه يبقون مدة، فيؤمن بعضهم ويولد لهم من يؤمن {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدنيا} أي: بالقتل كما فعل بإخوانهم «بني قريظة» ، والجلاء مفارقة الوطن يقال: جلا بنفسه جلاء، وأجلاه غيره إجلاء.
وأما قوله: {وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابُ النار} ، فهو كلام مبتدأ غير معطوف على ما قبله، إذ لو كان معطوفاً على ما قبله لزم ألا يوجد؛ لأن «لولا» تقتضي انتفاء الجزاء لحصول الشرط.