وثالثها: الأخوّة بسبب اشتراكهم في عداوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
فقالوا لليهود: {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ} من المدينة {لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ} .
وقيل: هذا من قول بني النضير لقريظة، وقولهم: {وَلَا نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً} يعنون محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قالوا: لا نطيعه في قتالكم.
وفيه دليل على صحة نبوّة نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من جهة الغيب؛ لأنهم أخرجوا فلم يخرجوا معهم، وقوتلوا فلم ينصروهم كما قال سبحانه وتعالى: {والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} في قولهم وفعلهم.
فقولهم: {وَلَا نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً} أي: في قتالكم أو في خذلانكم.
قوله تعالى: {وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ} .
أجيب القسم المقدر، لأن قبل «إن» لام موطئة حذفت للعلم بمكانها، فإنَّ الأكثر الإتيان بها، ومثله قوله: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ} [المائدة: ٧٣] وقد تقدم.
قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُواْ لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدبار ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ} .
أجيب القسم لسبقه، ولذلك رفعت الأفعال ولم تجزم، وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه، ولذلك كان فعل الشرط ماضياً.
وقال أبو البقاء رَحِمَهُ اللَّهُ: قوله تعالى: {لَا يَنصُرُونَهُمْ} لما كان الشرط ماضياً ترك جزم الجواب انتهى. وهو غلط؛ لأن {لَا يَنصُرُونَهُمْ} ليس جواباً للشرط بل جواب القسم، وجواب الشرط محذوف كما تقدم وكأنه توهم أنه من باب قوله: [البسيط]
٤٧٥١ - وإنْ أتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْألةٍ ... يَقولُ: لا غَائِبٌ مَالِي ولا حَرِمُ
وقد سبق أبا البقاء ابنُ عطية إلى ما يوهم شيئاً من ذلك، ولكنه صرح بأنه جواب القسم، فقال: «جاءت الأفعال غير مجزومة في» لا يخرجون ولا ينصرون «؛ لأنها راجعة على حكم القسم لا على حكم الشرط، وفي هذا نظر» .
فقوله: «وفي هذا نظر» يوهم أنه جاء على خلاف ما يقتضيه القياس وليس كذلك، بل جاء على ما يقتضيه القياس.