وعموم الآية حجة لنا؛ لأنها بمطلقها تتناول ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق، أو مقيد بشرط.
وقد قال أصحابه: إن النذر إنَّما يكون بما يقصد منه القربة مما هو من جنس القربة، وهذا وإن كان من جنس القربة، لكنه لم يقصد منه القربة، وإنما قصد منه منع نفسه عن فعل، أو من الإقدام على فعل.
قلنا: القرب الشرعية مقتضيات وكلف وإن كانت قربات، وهذا تكلف التزام هذه القربة بمشقة كجلب نفع أو دفع ضرر، فلم يخرج عن سنن التكليف، ولا زال عن قصد التقرب.
قال ابن العربي:«فإن كان المقول منه وعداً فلا يخلو أن يكون منوطاً بسبب كقوله: إن تزوجت أعنتك بدينار، أو ابتعت جارية كذا أعطيتك، فهذا لازم إجماعاً من الفقهاء، وإن كان وعداً مجرداً.
فقيل: يلزم بتعلقه، واستدلوا بسبب الآية، فإن روي أنهم كانوا يقولون: لو نعلم أي الأعمال أفضل وأحب إلى الله لعملناه، فأنزل الله هذه الآية، وهو حديث لا بأس به.
وروي عن مجاهد أن عبد الله [بن رواحة] لما سمعها قال:» لا أزال حبيساً في الله حتى أقتل «.
والصحيح عندي أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال» .
قال القرطبي:«قال مالك: فأما العدد مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يهب له هبة، فيقول: نعم، ثم يبدو له ألَاّ يفعل، فلا أرى ذلك يلزمه» .
فصل
قال القرطبي: ثلاث آيات منعتني أن أقضي على الناس: {أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}[البقرة: ٤٤]{وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ}[هود: ٨٨] ، {يا أيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف: ٣] .
وخرج أبو نعيمٍ الحافظ من حديث مالكِ بنِ دينارٍ عَنْ ثُمامةَ عن أنس بْنِ مالكٍ،