ومن الناس من قال: التوجّه إلى بيت المقدس صار منسوخاً بقوله تعالى: {وَللَّهِ المشرق والمغرب فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} [البقرة: ١١٥] ثم إن ذلك صار منسوخاً بقوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} .
واحتجوا عليه بالقرآن والأثر.
أما القرآن فهو أنه تعالى ذكر أولاً قوله: {وَللَّهِ المشرق والمغرب فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} ] ثم ذكر بعده: {سَيَقُولُ السفهآء مِنَ الناس مَا وَلَاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ التي كَانُواْ عَلَيْهَا} [البقرة: ١٤٢] ثم ذكر بعده: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} .
وهذا الترتيب يقتضي صحّة المذهب الذي قلناه بأن التوجذه إلى بيت المقدس صار منسوخاً بقوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} .
فلزم أن يكون قوله تعالى: {سَيَقُولُ السفهآء مِنَ الناس} [متأخراً في النزول والدرجة عن قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} فحينئذ يكون تقديمه عليه في الترتيب على خلاف الأصل، فثبت ما قلناه.
وأما الأثر فما] روي عن ابن عباس أن أمر القبلة أول ما نسخ من القُرْآن، والأمر بالتوجه إلى بيت المقدس غير مذكور في القرآن، إنما المذكور في القرآن {وَللَّهِ المشرق والمغرب فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} فوجب أن يكون قوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} ناسخاً لذلك، لا للأمر بالتوجذه إلى «بيت المقدس» .
قوله: «فَلَنُوَلِّيَنَكَ» : فلنعطينّك ولنمكننّك من استقبالها من قولك: ولّيته كذا، إذ جعلته والياً له، أو فلنجعلنّك تَلِي سَمْتها دون سَمْت بيت المقدس.
قوله: «تَرْضَاهَا» فيه وجوه:
أحدها: ترضاها: تحبّها وتميل إليها؛ لأن الكعبة كانت أحبّ غليه من غيرها بحسب ميل الطبع، وتقدم كلام القاضي عليه وجوابه.
وثانيها: «قِبْلَةً تَرْضَاهَا» أي: تحبها بسبب اشتمالها على المَصَالح الدينة.
وثالثها: قال الأصم: أي: كل جهة وجّهك الله إليهان فهي لك رضا لا يجوز أن تسخط كما فعل من انقلب على عقبيه من العرب الذين كانوا قد أسلموا، فلما تحولت القبلة ارتدوا.
ورابعها: «تَرْضَاهَا» أي: ترضى عاقبتها؛ لأنك تعرف بها من يتبعك للإسلام، مما يتبعك لغير ذلك من دنيا يصيبها، أو مال يكتسبه.
قوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام} «ولّى» يتعدى لاثنين: