أحدها: يعود على التولّي المدلول عليه بقوله: «فولّوا» .
والثاني: على الشطر.
والثالث: على النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، [أي: يعلمون أن الرسول مع شرعه وبنوّته حقّ] ويكون على هذا التفاتاً من خطابه بقوله: «فلنولِّينَّك» إلى الغيبة.
[قوله تعالى:«من ربهم» متعلب بمحذوف على أنه حال من الحق، أي كائناً من ربهم] .
فصل في كيفية معرفة أهل الكتاب
اختلفوا في كيفية معرفتهم فذكروا فيه وجوهاً:
أحدها: أن قوماً من علماء اليهود كانوا عرفوا في كتب أنبيائهم خبر الرسول، وخبر القبلة، وأنه يصلي إلى القبلتين.
وثانيها: أنهم كانوا يعلمون أن الكعبة هي البيت العتيق الذي جعله الله - تعالى - قبلة لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
وثالثها: أنهم كانوا يعلمون نبوة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما ظهر عليه من المعجزات، ومتى علموا نبوته، فقد علموا لا محالة أن كل ما أتى به فهو حق، فكان هذا التحويل حقّاً.
قوله تعالى:{وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} تقدم معناه.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «تعملون» بالتاء على الخطاب للمسلمين وهو الظاهر أو ل «للذين» على الالتفات تحريكاً لهم وتنشيطاً، والباقون بالغيبة ردّاً على الذين أوتوا الكتاب، أو ردّاً على المؤمنين، ويكون التفاتاً من خطابهم بقوله:«وجوهكم - كنتم» فإن جعلناه خطاباً للمسلمين، فهو وعد لهم، وبشارة أي: لا يخفى عليَّ جدّكم واجتهادكم في قَبُول الدين، فلا أخل بثوابكم.
وإن جعلناه كلاماً مع اليهود، فهو وعيد وتهديد لهم، ويحتمل أيضاً أنه ليس بغافل عن مكافأتهم ومجازاتهم، وإن لم يعجلها لهم، كقوله تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار}[إبراهيم: ٤٢] .