وأما حمل الآية على الاستقبال ففيه إشكال وهو أن قوله: {وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ} ينفي أن يكون أحد منهم قد اتبع قبلة الآخر، لكن ذلك قد وقع فيفضي إلى الخلف، وجوابه أنا إن حملنا أهل الكتاب على علمائهم الذين كانوا في ذلك الزمان، فلم يثبت عندنا أن أحداً منهم تبع قبلة الآخر، فالخلف غير لازم.
وإن حملناه على الكل قلنا: إنه عاّ دخله التخصيص.
قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَآءَهُمْ} [البقرة: ١٢٠] كقوله: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ} .
وقوله: «إِنَّكَ» جواب القسم، وجواب الشرط محذوف كما تقدم في نظيره.
قال أبو حيان: لا يقال: غنه يكون جواباً لهما لاتمناع ذلك لفظاً ومعنى.
أما المعنى فلأن الاقتضاء مختلف، فاقتضاء القسم على أنه لا عمل له فيه؛ لأن القَسَم إنما جيء به توكيداً للجملة المقسم عليها، وما جاء على سبيل التوكيد لا يناسب أن يكون عاملاً، واقتضاء الشرط على أنه عامل فيه، فتكون الجملة في موضع جزم، وعمل الشرط لقوة طلبه له.
وأام اللفظ فإن هذه الجملة إذا كانت جواب قسم لم تحتج إلى مزيد رابط، فإذا كانت جواب شرط احتاجت إلى مزيد رابط وهو الفاء، ولا يجوز أن تكون خالية من الفاء موجودة فيها، فلذلك امتنع أن تكون جواباً لهما معاً.
فصل في الهوى
الهوى المقصور: هو ما يميل إليه الطبع [وقيل: هو شهوة نتجت عن شبهة، والممدود هو الجو] .؟
اختلفوا في المخاطب بهذا الخطاب.
قال بعضهم: الرسول.
وقال بعضهم: الرسول وغيره.
وقال آخرون: بل غيره؛ لأنه - تعالى - عرف أن الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - لا يفعل ذلك، فلا يجوزأن يخصّه بهذا الخطاب، وهذا خطأ من وجوه:
أحدها: أنه لو كان كل ما علم الله أنه لا يفعله وجب ألا ينهاه عنه، لكان ما علم أن يفعله وجب ألا يأمره به، وذلك يقتضي ألا يكون النبي مأموراً بشيء، ولا منهيّاً عن شيء، وإنه بالاتفاق باطل.
وثانيها: لولا تقدم النهي والتحذير لما احترز النبي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عنه فلما كان ذلك الاحتراز