للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وهو على أصله من تسهيل الثانية بين بين، وعدم ألف بينهما، وأما إذا ابتدأ، فيحقق الأولى، ويسهل الثانية بين بين على ما تقدم، ولم تبدل الأولى واواً، لزوال موجبه وهو انضمام ما قبلها، وهي مفتوحة نحو «مُوجِل، ويُؤاخِذكُم» ، وقد مضى في سورة «الأعراف» عند قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ} [الأعراف: ١٢٣] ، وإنما عددناه تذكيراً، وبياناً.

قوله: {مَّن فِي السمآء} . مفعول «أأمِنْتُمْ» وفي الكلام حذف مضاف، أي: أمنتم خالق السماوات.

وقيل: «فِي» بمعنى «على» ، أي: على السماء، كقوله:

{وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} [طه: ٧١] ، أي: على جذوع النخل.

وإنما احتاج القائل بهذين إلى ذلك؛ لأنه اعتقد أن «مَنْ» واقعة على الباري، وهو الظاهر وثبت بالدليل القطعي أنه ليس بمتحيّز لئلا يلزم التجسيم، ولا حاجة إلى ذلك؛ فإن «مَنْ» هنا المراد بها: الملائكة سكان السماءِ، وهم الذين يتولّون الرحمة والنقمة.

وقيل: خوطبوا بذلك على اعتقادهم؛ فإن القوم كانوا مجسمة مشبِّهة، والذي تقدم أحسن.

قال ابن الخطيب: هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها باتفاق المسلمين؛ لأن ذلك يقتضي إحاطة السَّماءِ به من جميع الجوانب، فيكونُ أصغر منها، والعرش أكبر من السماء بكثير، فيكون حقيراً بالنسبة إلى العرش، وهو باطل بالاتفاق، ولأنه قال: {قُل لِّمَن مَّا فِي السماوات والأرض} [الأنعام: ١٢] فلو كان فيهما لكان مالكاً لنفسه، فالمعنى: إما من في السموات عذابه، وإما أن ذلك ما كانت العرب تعتقد، وإما من في السماء سلطانه وملكه وقدرته، كما قال تعالى: {وَهُوَ الله فِي السماوات وَفِي الأرض} [الأنعام: ٣] فإنَّ الشيء الواحد لا يكون دفعة واحدة في مكانين، والغرض من ذكر السَّماءِ تفخيم سلطان الله، وتعظيم قدرته، والمراد الملك الموكل بالعذاب، وهو جبريلُ يخسفها بإذن الله.

قوله: {أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض} و {أَن يُرْسِلَ} فيه وجهان:

أحدهما: أنهما بدلان من {مَنْ فِي السماء} بدل اشتمال، أي: أمنتم خسفه، وإرساله.

قاله أبو البقاء.

والثاني: أن يكون على حذف «مِنْ» ، أي: أمنتم من الخسف والإرسال، والأول أظهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>