ينافي تقديره بقوله:«سؤالهم بعذاب» ؛ لأن الباء في هذا التركيب المقدَّر تتعلق بمحذوف؛ لأنها خبر المبتدأ بالسؤال.
وقال الزمخشريُّ:«وعن قتادة سأل سائل عن عذاب الله بمن ينزل وعلى من يقع فنزلت، و» سأل «على هذا الوجه مضمن معنى عني واهتم، كأنه قيل: اهتم مهتم بعذاب واقعٍ» .
فصل في تفسير السؤال
قال القرطبيُّ: الباء يجوز أن تكون بمعنى «عن» والسؤالُ بمعنى الدعاء، أي دعا داع بالعذاب، عن ابن عباس وغيره، يقال: دعا على فلان بالويلِ ودعا عليه بالعذاب.
ويقال: دعوتُ زيداً، أي التمستُ إحضاره، والمعنى التمس ملتمسٌ عذاباً للكافرين، وهو واقع بهم لا محالة يوم القيامةِ، وعلى هذا فالباءُ زائدةٌ كقوله تعالى:{تَنبُتُ بالدهن}[المؤمنون: ٢٠] ، وقوله تعالى:{وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة}[مريم: ٢٣] ، فهي تأكيد، أي: سأل سائل عذاباً واقعاً.
«لِلكَافِرينَ» أي: على الكافرين.
قيل: هو النضر بن الحارث حيثُ قال: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال: ٣٢] ، فنزل سؤاله، وقتل يوم «بدر» صبراً هو وعقبة بن أبي معيط، لم يقتل صبراً غيرهما، قاله ابن عباس ومجاهد.
وقيل:«إنَّ السائل هنا هو الحارثُ بن النعمان الفهري، وذلك أنه لما بلغه قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:» مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَليٌّ مَوْلاهُ «ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته بالأبطح، ثم قال: يا محمدُ، أمرتنا عن الله، أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّك رسول الله، فقبلناه منك، وأن نصلي خمساً، ونزكي أموالنا، فقبلناه منك، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام، فقبلناه منك، وأن نحج، فقبلناه منك، ثُمَّ لم ترض بهذا، حتى فضَّلت ابن عمك علينا، أفهذا شيءٌ منك أم من الله؟ .
فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» واللَّهِ الَّذي لا إِلهَ إلَاّ هُوَ، ما هُوَ إلَاّ مِنَ اللَّه «فولى الحارث وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقًّا، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذابٍ أليم، فوالله ما وصل إلى ناقته، حتى رماه الله بحجر فوقع على دماغه، فخرج من دبره فقتله، فنزلت {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} » .