وأيضاً فإن النوم في ذلك الوقت أَطْيب، فيكون تركه أشقّ، فوجب أن يكون ثوابه أكثر، لقوله عليه السلام: «أَفْضَلُ العِبَادَاتِ أَحْمَزُهَا» أي: أشقّها.
واحتج أبو حنيفة بوجوه:
أحدها: قوله عليه السلام: «أَسْفِرُوا بِالفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلأَجْرِ»
وروى عبد الله بن مسعود أنه صلى الفجر ب «المزدلفة» فغلس، ثم قال ابن مسعود: ما رأيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صلاة إلا لميقاتها إلا صلاة الفجر.
ويروى عن أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْه - أنه صلى الفجر، فقرأ «آل عمران» ، فقالوا: كادت الشمس أن تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين.
وعن عمر أنه قرأ البقرة فاستشرقوا الشمس، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين.
وأيضاً فإن تأخير الصلاة يشتمل على فضيلة الانتظار.
وقال عليه السلام: «المُنْتَظِرُ لِلصَّلاةِ كَمَنْ هُوَ في الصَّلَاةِ» ، فمن [أخر الصلاة عن أول وقتها فقد انتظر الصلاة أولاً، ثم بها ثانياً] ، ومن صلاّها في أول الوقت فقد فاته فضل الانتظار.
وأيضاً: فإن التنوير يفضي إلى كثرة الجماعة فيكون أَوْلى.
والجواب عن الأول أن الفجر اسم للنور الذي [يتفجر به ظلام] المشرق، فالفجر إنما يكون ضجْراً لوكانت الظلمة باقية في الهواء.
فأما إذا زالت الظلمة بالكلية واستنار الهواء لم يكن ذلك فجراً.
وأما الإسفار فهو عبارة عن الظهور، يقال: أسفرت المرأة عن وجهها إذا [كشفت عنه] ، إذا ثبت هذا فنقول: ظهر الفَجْر إنما يكون عند بقاء الظلام في الهواء، فإن الظالم كلما كان أشد كان النور الذي يظهر فيما بين ذلك الظلام أشد.
فقوله: «أَسْفِرُوا بِالفَجْرِ» يجب أن يكون محمولاً على التَّغْليس، أي: كلما وقعت صلاتكم حين كان الفجر [أظهر كان] أكثر ثواباً.
وقد بينا أن ذلك لا يكون إلا في أول الفجر، وهذا معنى قول الشافعي رَضِيَ اللهُ