» أنْ «مخففة، واسمها مضمر والجملة المنفية خبرها، والفاعل بينهما هنا حرف النفي، و» كذباً «مفعول به، أو نعت مصدر محذوف، أي: قولاً كذباً.
وقرأ الحسن والجحدري وأبو عبد الرحمن ويعقوب:» تقَوَّل «- بفتح القاف والواو المشددة - وهو مضارع» تقوَّل «أي: كذب، والأصل: تتقوَّل، فحذف إحدى التاءين، نحو» تذكرون «. وانتصب» كَذِباً «في هذه القراءة على المصدر؛ لأن التقول كذب، فهو نحو قولهم:» قَعدْتُ جُلُوساً «.
ومعنى الآية: وأنَّا حسبنا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً، فلذلك صدقناهم في أن لله صاحبة وولداً حتى سمعنا القرآن وتبينا به الحق.
وقيل: انقطع الإخبار عن الجنِّ - هاهنا - فقال الله تعالى جل ذكره لا إله إلا هو -:
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس} فمن فتح، وجعله من قول الجنِّ ردَّها إلى قوله:{أَنَّهُ استمع} ، ومن كسرها جعلها من قول الله تعالى.
والمراد به ما كانوا يفعلونه، من قول الرجل إذا نزل بواد: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في جواره حتى يصبح، قاله الحسن وابن زيد وغيرهما.
وقيل: كانوا في الجاهلية إذ أقحطوا، بعثُوا رائدهم، فإذا وجد مكاناً فيه كلأ وماءٌ رجع إلى أهله فسار بهم حتى إذا انتهوا إلى تلك الأرض نادوا نعوذُ بك بربِّ هذا الوادي أن تصيبنا فيه آفةٌ، يعنون من الجن، فإن لم يفزعهم أحد نزلوا، وإن أفزعهم الجن رجعوا.
قال مقاتل: أول من تعوذ بالجنِّ قومٌ من أهل اليمن، ثم من بني حنيفة، ثم فشا ذلك في العرب، فلَّما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم.