والضمير في قوله {وَأَلَّوِ استقاموا} ، قيل: يرجع إلى الجنِّ الذين تقدم ذكرهم ووصفهم أي: هؤلاء القاسطون لو أسلموا لفعلنا بهم كذا وكذا.
وقيل: بل المراد الإنس لأن الترغيب في الانتفاع بالماءِ الغدقِ، إنما يليق بالإنس، لا بالجن وأيضاً أن هذه الآية إنَّما نزلت بعد ما حبس الله المطر عن أهل مكة سنين، أقصى ما في الباب أنَّهُ لم يتقدم ذكر الإنس، ولكنه لما كان ذلك معلوماً جرى مَجْرى قوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر} [القدر: ١] .
وقال القاضي: الأقرب أن الكل يدخلون فيه.
قال ابن الخطيب: «ويدل على صحة قول القاضي، أنه تعالى أثبت حكماً معللاً بعلة، وهي الاستقامةُ فوجب أن يعم الحكم لعموم العلة» .
والغدق - بفتح الدال وكسرها -: لغتان في الماء الغزير، ومنه الغداق: للماء الكثيرِ وللرجل الكثير الغدق، والكثير النطق.
ويقال: غدقت عينه تغدق أي: هطل دمعها غدقاً.
وقرأ العامة: «غَدَقاً» بفتحتين.
وعاصم فيما يروي عنه الأعشى، بفتح الغين وكسر الدال، وقد تقدم أنهما لغتان.
قوله: {وَأَلَّوِ استقاموا} .
قال ابن الخطيب: إن قلنا: إن الضمير راجعٌ إلى الجنِّ ففيه قولان:
أحدهما: أن المعنى لو ثبت أبوهم على عبادته وسجد لآدم، ولم يكفر وتبعه ولده على الإسلام لأنعمنا عليهم كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض} [الأعراف: ٩٦] الآية، {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ} [المائدة: ٦٦] الآية، وقوله: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} [الطلاق: ٢] . وقوله: {فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ} [نوح: ١٠ - ١١] ، إلى قوله: {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [نوح: ١٢] الآية.
وإنَّما ذكر الماء كناية عن طيب العيش وكثرة المنافعِ وهذا هو اللائق بالجنِّ لا الماء المشروب.
الثاني: أن المعنى لو استقام الجنُّ أي الذين سمعوا القرآن على طريقتهم التي كانوا عليها، ولم ينتقلوا عن الإسلام لوسعنا عليهم الدنيا كقوله: {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ} [الزخرف: ٣٣] الآية.