فإن قيل: المساجد وإن كانت لله ملكاً وتشريفاً فإنَّها قد تنسب إلى غيره تعالى تعريفاً كما قيل في الحديث:
«سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق» .
ويقال: مسجد فلان، لأنه حبسه، ولا خلاف بين الأمة في تحبيس المساجدِ والقناطرِ والمقابرِ، وإن اختلفوا في تحبيس غير ذلك.
فصل في معنى الآية
معنى:{وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ} لا يذكرُ فيها إلا اللَّهُ تعالى فإنَّه يجوز قسمةُ الأموالِ فيها، ويجوز وضعُ الصدقات فيها، على رسم الاشتراك بين المساكين، والأكل فيها، ويجوز حبسُ الغريمِ فيها والنوم، وسكن المريضِ فيه، وفتح الباب للجار إليها وإنشاد الشعر فيه إذا عري عن الباطل.
قوله:{فَلَا تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً} . وهذا توبيخٌ للمشركين، في دعواهم مع الله غيره في المسجد الحرام.
وقال مجاهد: كانت اليهودُ، والنصارى إذا دخلوا كنائسهم، وبيعهم أشركوا بالله تعالى، فأمر الله تعالى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة الحق إذا دخلوا المساجد كلها، فلا تشركوا فيها صنماً وغيره مما يعبد.
وقيل: المعنى أفردوا المساجدَ لذكر الله، ولا تجعلوا لغير الله فيها نصيباً، وفي الحديث:«مَنْ نَشدَ ضالَّةً في المسجد فقولوا: لا ردَّها اللَّه عليكَ، فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا»
وقال الحسن: من السنة إذا دخل رجل المسجد أن يقول: لا إله إلا الله، لأن قوله تعالى {فَلَا تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً} في ضمنه أمر بذكر الله ودعائه.
وروى الضحاك عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان إذا دخل المسجد قدَّم رجله اليمنى وقال:» وأنَّ المسَاجِدَ لِلَّهِ فلا تَدْعُوا مع اللَّهِ أحداً، اللَّهُمَّ إني عبدُكَ وزائِرُكَ وعلى كُلِّ مزُورٍ حقٌّ لزائره، وأنْتَ خَيْرُ مزُورٍ، فأسْألُكَ بِرحْمتكَ أنْ تَفُكَّ رقَبَتِي من النَّارِ «فإذا خرج من المسجد قدم رجله اليسرى وقال:» اللَّهُمْ صُبَّ عليَّ الخَيْرَ صباً