قلنا: لعله إذا قربت القيامةُ يظهر، وكيف لا، وقد قال:{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلاً}[الفرقان: ٢٥] فتعلم الملائكة حنيئذ قيام القيامة، أو هو استثناء منقطع أي: من ارتضاه من رسول يجعل من بين يديه، ومن خلفه حفظة يحفظونه بأمر الله من شر مردة الجنِّ والإنس، ويدل على أنه ليس المراد منه ألا يطلع أحد على شيء من المغيبات أنه ثبت بما يقارب التواتر أن «شقّاً وسطيحاً» كانا كاهنين وقد عرفا بحديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قبل ظهوره وكانا مشهورين بهذا العلم عند العرب حتَّى يرجع إليهما كسرى، وربيعة بن مضر، فثبت أن اللَّه تعالى قد يطلع غير الرسل على شيء من المغيبات، وأيضاً هل المللِ على أن معبر الرؤيا، يخبر عن أمور مستقبلة، ويكون صادقاً فيه، وأيضاً: قد نقل السلطان سنجر بن ملك شاه كاهنة من بغداد إلى خراسان وسألها عن أمور مستقبلة فأخبرته بها فوقعت على وفق كلامها.
قال ابن الخطيب: وأخبرني أناس محققون في علم الكلام والحكمة أنها أخبرت عن أمور غائبة بالتفصيل فكانت على وفق خبرها.
وبالغ أبو البركات في كتاب «المعتبر» في شرح حالها وقالت: تفحصت عن حالها ثلاثين سنة، فتحققت أنها كانت تخبر عن المغيبات إخباراً مطابقاً، وأيضاً فإنّا نشاهد ذلك في أصحاب الإلهامات الصادقة، وقد يوجد ذلك في السحرة أيضاً، وقد ترى الأحكام النجومية مطابقة وإن كانت قد تتخلف، فإن قلنا: إن القرآن يدل على خلاف هذه الأمور المحسوسة لتطرق الطعن إلى القرآن فيكون التأويل ما ذكرناه.
فصل في معنى الآية
قال القرطبيُّ: المعنى {فَلَا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إِلَاّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ} فإنه يظهره على ما يشاء من غيبه، لأن الرسل مؤيدون بالمعجزات، ومنها الإخبار عن بعض الغائبات كما ورد في التنزيل في قوله:{وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ}[آل عمران: ٤٩] .
وقال ابن جبير:{إِلَاّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ} هو جبريل - عليه السلام - وفيه بعد، والأولى أن يكون المعنى لا يظهر على غيبه إلا من ارتضى، أي: اصطفاه للنبوة فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه ليكون ذلك دالاً على نبوته.
فصل في استئثار الله بعلم الغيب
ذكر القرطبيُّ أن العلماء قالوا: لما تمدح الله سبحانه وتعالى بعلم الغيب واستأثره