كثرة الهموم؛ توجب انكسار الروح إلى داخل القلب، وذلك الانكسار يوجب انطفاء الحرارة الغريزية، وضعفها يوجب بقاء الأجزاء الغذائية غير تامة النضج، وذلك يوجب استيلاء البلغم على الأخلاط، وذلك يوجب ابيضاض الشعر، فلما رأوا أن حصول الشيب من لوازم كثرة الهموم جعلوا الشيب كناية عن الشدة والهموم، وليس المراد أن هول ذلك اليوم يجعل الولدان شيباً حقيقة لأن إيصال الألم أو الخوف إلى الأطفال غير جائز يوم القيامة.
الثاني: ما تقدم من طول اليوم وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة، والشيب.
قوله:{السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} . صفة أخرى، أي: متشققة بسبب هوله وشدته، فتكون الباء سببية، وجوز الزمخشريُّ أن تكون للاستعانة، فإنه قال: والباء في «به» مثلها في قولك: «فطرت العود بالقدُومِ فانفَطرَ بِهِ» .
وقال القرطبيُّ: ومعنى «به» ، أي: فيه، أي: في ذلك اليوم لهوله، هذا أحسن ما قيل فيه، ويقال: مثقلة به إثقالاً يؤدي إلى انفطارها لعظمته عليها، وخشيته من وقوعها، كقوله تعالى:{ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض}[الأعراف: ١٨٧] ، وقيل:«به» ؛ أي: له، أي: لذلك اليوم، يقال: فعلت كذا بحرمتك، أو لحرمتك، والباء واللام وفي متقاربه في مثل هذا الموضع، قال الله تعالى:{وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة}[الأنبياء: ٤٧] ، أي: في يوم القيامة، وقيل:«به» أي بالأمر، أي: السماء منفطر بما يجعل الولدان شيباً.
وقيل: السَّماءُ منفطر بالله، أي: بأمره. وإنما لم تؤنث الصفة لوجوه منها:
قال أبو عمرو بن العلاء: لأنها بمعنى السقفِ تقول: هذا سماء البيت، قال تعالى:{وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً}[الأنبياء: ٣٢] .
ومنها: أنها على النسب، أي: ذات انفطار، نحو: امرأة مرضع وحائض، أي: ذات إرضاع، وذات حيض.
ومنها: اسم الجنس، يفرق بينه وبين واحده بالتاء، فيقال: سماة، وقد تقدم أن اسم الجنس يذكر ويؤنث.
ولهذا قال أبو علي الفارسي: هو كقوله: {جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ}[القمر: ٧] و {الشجر الأخضر}[يس: ٨٠] و {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}[القمر: ٢٠] يعني: فجاء على أحد الجائزين.