والجواب عن الأول: أن هذا السؤال لازمٌ على كل عددٍ يفرض.
وعن الثاني: أنه لا يبعد أن الله يزرق ذلك العدد القليل قوة تفي بذلك، فقد اقتلع جبريل - صلوات الله وسلامه عليه - مدائن قوم لوطٍ على أحدِ جناحيه، ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء صياح ديكتهم، ثم قلبها وجعل عاليها سافلها.
وأيضاً: فأحوال القيامة لا تقاس بأحوال الدنيا، ولا للعقل فيها مجال.
فصل في أن الله تعالى يريد الفتنة.
دلت هذه الآية على أن الله - تعالى - يريد الفتنة.
وأجاب الجبائي: بأن المراد من الفتنة تشديدُ التعبد ليستدلوا على أنه - تعالى - قادرٌ على تقوية هؤلاء التسعة عشر على ما لا يقوى عليه مائةُ ألفِ ملكٍ أقوياء.
وأجاب الكعبي: بأن المراد من الفتنة الامتحانُ حتَّى يفوضَ المؤمنون حكمة التخصيص بالعدد المعين إلى علم الله تعالى، وهذا من المتشابه الذي أمروا بالإيمان به، أو يكون المراد من الفتنة ما وقعوا فيه من الكفر بسبب تكذيبهم بعدد الخزنة، وحاصله ترك الألطاف.
والجواب: أن نقول: هل لا يزال لهذه المتشابهات أثرٌ في تقوية داعية الكفر أم لا؟ فإن لم يكن له أثرٌ في تقوية داعية الكفر لم يكن إنزال هذه المتشابهات فتنة للذين كفروا ألبتة وإن كان له أثرٌ في تقوية داعية الكفر، فقد حصل المقصود؛ لأنه إذا ترجَّحت داعية الفعل صارت داعيةُ الترك مرجوحة، والمرجوح يمتنع تأثيره، فيكون الترك ممتنع الوقوع، فيصير الفعل واجب الوقوع. والله أعلم.
قوله تعالى: {لِيَسْتَيْقِنَ الذين} . متعلق ب «جعلنا» لا ب «فتنة» .
وقيل: بفعل مضمر، أي: فعلنا ذلك ليستيقن.
فصل في المراد بالآية
معنى الكلام: ليُوقنَ الذين أعطوا التوراة والإنجيل أن عدَّة خزنة جهنَّم مُوافقةٌ لما عندهم. قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم. ثم يحتمل أن يريد الذين آمنوا منهم كعبد الله بن سلام، ويحتمل أن يريد الكُلَّ، {وَيَزْدَادَ الذين آمنوا إِيمَاناً} لتصديقهم بعدد خزنة النار.
قال ابن الخطيب: فإن قيل: حقيقة الإيمان عندكم لا تقبل الزيادة والنقصان، فما قولكم في هذه الآية؟ .