وفائدتها: توكيد القسم في الردِّ «. ثمَّ قال بعد أن حكى وجه الزيادة والاعتراض والجواب كما تقدم: والوجه أن يقال: هي للنَّفي، والمعنى في ذلك: أنَّه لا يقسم بالشيء إلَاّ إعظاماً له، يدلُّك عليه قوله تعالى:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}[الواقعة: ٧٥ - ٧٦] فكأنه بإدخال حرف النَّفي يقول: إن إعظامي له بإقسامي به كلا إعظام، يعني أنه يستأهل فوق ذلك.
وقيل: إنَّ» لا «نفيٌ لكلامٍ ورد قبل ذلك انتهى.
قال ابن الخطيب: كأنَّهُم أنكروا البعث فقيل:» لا «ليس الأمر على ما ذكرتم، ثم قيل: أقسم بيوم القيامة.
قال: وهذا فيه إشكال؛ لأن إعادة حرف النفي أحرى في قوله تعالى:{وَلَا أُقْسِمُ بالنفس اللوامة} مع أن المراد ما ذكروه يقدح في فصاحة الكلام.
قال شهاب الدين رَحِمَهُ اللَّهُ:» فقول الزمخشري «: والوجه أن يقال إلى قوله: يعني أنه يستأهل فوق ذلك، تقرير لقوله: إدخال» لا «النافية على فعل القسم مستفيض إلى آخره وحاصل الكلام يرجع إلى أنها نافية، وأنَّ النَّفي متسلّط على فعل القسم بالمعنى الذي شرحه، وليس فيه منع لفظاً ولا معنى» .
ثم قال: فإن قلت: قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}[النساء: ٦٥] والأبيات التي أنشدتها المقسم عليه فيها منفي، فهلا زعمت أنَّ «لا» التي قبل القسم زيدت موطِّئة للنَّفي بعده، ومؤكدة له، وقدَّرت المقسم عليه المحذوف - هاهنا - منفياً كقولك: لا أقسم بيوم القيامة لا تتركُونَ سُدًى؟ .
قلت: لو قصَرُوا الأمر على النَّفي دون الإثبات لكان لهذا القول مساغ، ولكنه لم يقصر، ألا ترى كيف نفى {لَا أُقْسِمُ بهذا البلد}[البلد: ١] بقوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان}[البلد: ٤] وكذلك قوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم}[الواقعة: ٧٥] بقوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}[الواقعة: ٧٧] ، وهذا من محاسن كلامه تعالى.
وقرأ قنبل والبزِّي - بخلاف عنه -: «لأقسم» بلام بعدها همزة دون ألف، وفيها أوجه:
أحدها: أنها جوابٌ لقسم مقدر، تقديره:«والله لأقسم» والفعل للحالِ، فلذلك لم تأت نونُ التوكيد، وهذا مذهبُ الكوفيين.
وأمَّا البصريون: فلا يجيزون أن يقع فعل الحال جواباً للقسم فإن ورد ما ظاهره ذلك جعل الفعل خبراً لمبتدإ مضمر، فيعود الجواب جملة اسمية قدر أحد جزأيها