للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والجوابُ: أَنَّ قولَه أَوّلاً: «تَطَاوَلَ لَيْلُك» فيه التفاتٌ؛ لأنه كان أصل الكلامِ أَنْ يقولَ: «تطاول لَيْلِي» ؛ لأنه هو المقصودُ، فالتفتَ مِنْ مقامِ التكلُّمِ إلى مقامِ الخِطَابِ، ومن مقامِ الخِطَابِ إلى الغيبة، ثمَّ مِنَ الغيبةِ إلى التكلُّمِ الذي هو الأصل.

وقُرِىءَ شاذّاً: «إِيَّاكَ يُعْبَدُ» على بنائِهِ للمفعول الغائب؛ ووجهُها على إشْكَالِها: أن فيها استعارةً والتفاتاً:

أما الاستعارةُ: [فإنه استُعِير] فيها ضميرُ النصبِ لضمير الرفْع، والأصل: أنت تُعْبَدُ، وهو شائع؛ كقولِهم: «عَسَاكَ، وعَسَاهُ، وعَسَانِي» في أحدِ الأقوالِ؛ وقول الآخر: [الرجز]

٦٨ - يا ابْنَ الزُّبَيْرِ طَالَمَا عَصَيْكَا ... وَطَالَمَا عَنِّيْتَنَا إِلَيْكَا

فالكافُ في «عَصَيْكَا» نائبةٌ عن التاءِ، والأصل: «عَصَيْتَ» .

وأما الالتفاتُ: فكان من حقِّ هذا القارئ أَنْ يَقْرَأَ: «إِيَّاكَ تُعْبَدُ» بالخطابِ، ولكنه التفت من الخطاب في «إِيَّاكَ» إلى الغَيْبَةِ في «يُعْبَدُ» إلاّ أن هاذ الالتفاتَ غَريبٌ؛ لكونِهِ في جُمْلةٍ واحدةٍ، بخلاف الالتفاتِ المتقدّمِ؛ ونظيرُ هذا الالتفات قولُه: [الطويل]

٦٩ - أَأَنْتَ الهِلَالِيُّ الَّذي كُنْتَ مَرَّةً ... سَمِعْنَا بِهِ وَالأَرْحَبِيُّ المُغَلَّبُ

فقال: «بِهِ» بعد قوله: «أَنْتَ» و «كُنْتَ» .

و «إِيَّاكَ» واجبُ التقديم على عامله؛ لأَنَّ القاعدَةَ أَنَّ المفعولَ به إذا كان ضميراً - لو تأخر عم عامله - وجب اتصالُهُ «، من نحو:» الدرهم إياه أعطيتك «لأنك لو أخرتَ الضميرَ هنا فقلتَ:» الدِّرْهَمُ أَعْطَيُكَ إِيَّاهُ «لم يَلْزَم الاتصالُ، لما سيأتي بل يجوزُ:» أعطيتكَهُ «.

<<  <  ج: ص:  >  >>