وثانيهما: المبالغة في البعد عن الأمور المستقذرة، يعني ما مسته الأيدي الوضيعة والأرجل الدنسة.
وثانيهما: أنه لا يؤول إلى النجاسة، لأنها ترشح عرقاً من أبدانهم له ريح كريح المسكِ، وعلى هذين الوجهين يكون الطهور مطهراً؛ لأنه يطهِّرُ باطنهم عن الأخلاق الذميمة والأشياء المؤذية.
فإن قيل: قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} هو نوع ما ذكره قبل ذلك من أنهم يشربون من عين الكافور والزنجبيل والسلسبيل، أو هذا نوع آخر؟ .
قلنا: بل هذا نوع آخر، لوجوه:
أحدها: التِّكرار.
والثاني «أنه تعالى أضاف هذا الشراب إلى نفسه تبارك وتعالى، بقوله تعالى:{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} ، وذلك يدل على فضل هذا على غيره.
والثالث: ما روي من أنه يقدِّم إليهم الأطعمة والأشربة، فإذا فرغوا منها أتُوا بالشراب الطهور فيشربون فيطهر ذلك بطونهم ويفيض عرقاً من جلودهم مثل ريح المسكِ، وهذا يدل على أن الشراب مغاير لتلك الأشربة، ولأن هذا الشراب يهضم سائر الأشربة ثم له مع هذا الهضم تأثير عجيب وهو أنه يجعل سار الأطعمة والأشربة عرقاً يفوح منه كريح المسك وكل ذلك يدل على المغايرة.
قوله تعالى:{إِنَّ هذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً} ، أي: يقال لهم: إن هذا كان حزاؤكم، أي: ثواب أعمالكم، فيزداد بذلك القول فرحهم وسرورهم، كما أن المعاقب يزداد غمّه، إذا قيل له: هذا جزاء عملك الرديء «وكَانَ سَعيُكُمْ» أي: عملكم «مَشْكوراً» أي: من قبل الله وشكره للعبد قبُول طاعته وثناؤه عليه وإثابته.
وقال قتادةُ: غفر لهم الذنب وشكر لهم الحسنى.
وقيل: هذا إخبار من الله - تعالى - لعباده في الدنيا كأنه - تعالى - شرح لهم ثواب أهل الجنة، أي أنَّ هذا كان في علمي وحكمي جزاء لكم يا معاشر عبيدي لكم خلقتها ولأجلكم أعددتها.