للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الاحتمال الثاني: وهو ألَاّ يكون المراد من هذه الكلمات الخمس شيئاً واحداً، وفيه وجوه:

أحدها: قال الزجاج، واختاره القاضي: أن الثلاثة الأول هي الرياح، فقوله تعالى: {والمرسلات عُرْفاً} هي الرياح التي تتصل على العرف المعتاد، والعاصفات: ما اشتدّ عنها، والنَّاشرات: ما ينشر السحاب، وقوله تعالى: {فالفارقات فَرْقاً} هم الملائكة الذي يُفرِّقُون بين الحقِّ والباطل والحلال والحرام بما يتحمَّلونه من القرآن والوحي، وكذا قوله: {فالملقيات ذِكْراً} أنها الملائكة المتحمِّلون للذِّكر الذي يلقونه إلى الرسل.

فإن قيل: ما المجانسة بين الريح وبين الملائكة حتى جمع بينهما في القسمِ؟ .

قلت: الملائكة روحانيّون فهم سبب طاقاتهم وسرعة حركاتهم كالرياح.

وثانيها: أن الآيتين الأوليين هما الرياح، والثلاثة الباقية منهم الملائكة؛ لأنها تنشر الوحي والدين، ثم لذلك الوحي أثران:

الأول: حصول الفرق بين المحق والمبطل.

والثاني: ظهر الله في القلوب والألسنة، ويؤكد هذا أنه قال: {والمرسلات عُرْفاً فالعاصفات عَصْفاً} ، ثم عطف الثاني على الأول بحرف الواو، فقال: «والنَّاشِرَاتِ» وعطف الاثنين الباقيين عليه بحرف الفاء، وهذا يقتضي أن يكون الأولان ممتازين عن الثلاثة الأخيرة.

قال ابن الخطيب: ويمكن أن يكون المراد بالأولين الملائمكة، فقوله تعالى: {والمرسلات عُرْفاً} ملائكة الرَّحمة، وقوله تعالى: {فالعاصفات عَصْفاً} ملائكة العذاب، والثلاثة الباقية آيات القرآن؛ لأنها تنشر الحق في القلوب والأرواح، وتفرّق بين الحق والباطل، وتلقي الذكر في القلوب والألسنة.

فصل في وجه دخول الفاء والواو في جواب القسم

قال القفالُ: الوجه في دخول الفاء في بعض ما وقع به القسم، والواو في بعض مبنيّ على أصل، وهو أن عند أهل اللغة أن الفاء تقتضي الوصل والتعلُّق، فإذا قيل: قام زيد فذهب، فالمعنى: أنه قام ليذهب، فكان قيامه سبباً لذهابه ومتصلاً به، فإذا قيل: قام وذهب، فهما خبران، وكل واحد منهما قائم بنفسه، لا يتعلق بالآخر. ثم إن القفال رَحِمَهُ اللَّهُ لما مهد هذا الأصل، فرع عليه الكلام في هذه الآية بوجوه.

قال ابن الخطيب: وتلك الوجوه لا يميل القلب إليها، وأنا أنوع على هذا الأصل

<<  <  ج: ص:  >  >>