والثاني: أنه منصوب على الظرف واقعاً خبراً ل «هذا» على أن يشار به لما تقدم من الوعيد، كأنه قال: هذا العقاب المذكور كائن يوم لا ينطقون وقد تقدم آخر المائدة ما يشبه هذا في قوله تعالى: «هذا يَوْم يَنفَع» إلا أن النصب هناك متواتر.
قوله: {وَلَا يُؤْذَنُ} العامة: على عدم تسمية الفاعل. وحكى الأهوازي عن زيد بن علي: «ولا يَأذَنُ» سمى الفاعل، وهو الله تعالى.
وقوله: فيعتذرون «. في رفعه وجهان:
أحدهما: أنه مستأنف، أي فهم يعتذرون.
قال أبو البقاء: ويكون المعنى: أنهم لا ينطقون نطقاً ينفعهم، أو ينطقون نطقاً في بعض المواقف ولا ينطقون في بعضها.
والثاني: أنه معطوف على» يؤذن «فيكون منفياً، ولو نصب لكان متسبباً عنه.
وقال ابن عطيَّة:» ولم ينصب في جواب النَّفْي لتشابه رءوس الآي، والوجهان جائزان «.
فظهر من كلامه أنهما بمعنى واحد، وليس كذلك بل المرفوع له معنى غير معنى المنصوب، وإلى هذا ذهب الأعلم إلى أن الفعل قد يرتفع ويكون معناه النصب، ورد عليه ابن عصفور.
قال الفرَّاء في قوله:» وَلَا يُؤْذَنُ لهُمْ فيَعْتَذِرُونَ «: الفاء نسق، أي عطف على» يؤذن «، وأجيز ذلك، لأن آخر الكلام بالنون، ولو قال: فيعتذروا، لم يوافق الآيات، وقد قال: {لَا يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ} [فاطر: ٣٦] ، بالنصب، وكل صواب، ومثله: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ} [البقرة: ٢٤٥] ، بالرفع والنصب.
فصل في تخويف الكفار
هذا نوع آخر من أنواع تخويف الكفار، لأن الله - تعالى - بين أنه ليس لهم عذر ولا حجة فيما أتوا به من القبائح، ولا لهم قدرة على رفع العذاب عن أنفسهم، واعلم أن يوم القيامة له مواطن ومواقيت، فهذا من المواقيت التي لا يتكلمون فيها ولا يعتذرون.
روى عكرمة: أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - سأله ابن الأزرق عن قوله تعالى: {هذا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ} و {فَلَا تَسْمَعُ إِلَاّ هَمْساً} [طه: ١٠٨] ، وقد قال تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} [الطور: ٢٥] . فقال له: إن الله - تعالى - يقول:
{وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ