علامة لهذا الثواب كان الإتيان بذلك كالآلة والصلة إلى تحصيل ذلك الثواب، وقوله تعالى:{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} المقصود منه تذكير الكفار بما فاتهم من النعيم العظيم ليعلموا أنهم لو كانوا من المتقين المحسنين لفازوا بمثل تلك الخيرات، فلما لم يفعلوا وقعوا فيما وقعوا فيه.
قوله تعالى:{كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} هذا مردود إلى ما تقدم قبل المتقين وهو وعيد وتهديد، وهو حال من المكذبين، أي: الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم: {كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} أي كافرون.
وقيل: مكتسبون فعلاً يضركم في الآخرة من الشرك، فكأنه - تعالى - يقول للكافر: إنك في الدنيا عرضت نفسك لهذه الآفات التي وصفناها لمحبتك الدنيا، ورغبتك في طيباتها، إلا أن طيباتها قليلةٌ بالنسبة إلى تلك الآفات العظيمة، فالمشتغل بتعظيمها يجري مجرى لُقْمةٍ واحدة من الحلوى، وفيها السم المهلك، فإنه يقال لآكلها تذكيراً له ونصحاً: كُلْ هذا، وويلٌ لك منه بعدُ؛ فإنك من الهالكين بسببه، فهذا وإن كان في اللفظ أمر إلا أنه في المعنى نهيٌ بليغ وزجر عظيم.
قوله تعالى:{وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركعوا لَا يَرْكَعُونَ} نزلت في ثقيف، حين امتنعوا من الصلاة فنزلت فيهم.
قال مقاتل: قال لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أسْلِمُوا وأمرهم بالصلاة، فقالوا: لا نَنْحَنِي، فإنها مَسبَّة علينا فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«لا خَيْرَ فِي دِينٍ ليس فيهِ رُكوعٌ ولا سجُودٌ» .
وقال ابن عباس: إنما يقال لهم هذا في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون.
وقال قتادة: هذا في الدنيا.
فصل في وجوب الركوع
قال ابن العربي: هذه الآية تدلّ على وجوب الركوع، وكونه ركناً في الصلاة، وقد انعقد الإجماع عليه.