فإن هذا استفهام على سبيل التقرير، أي: لك سبيل إلى أن تزكَّى، ولو كان ذلك بفعل الله - تعالى - لا نقلب الكلام حجةً على موسى.
والجواب: ما تقدَّم في نظائره.
حكى القرطبيُّ عن صخرِ بنِ جويرية قال:«لمَّا بعث الله تعالى موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - إلى فرعون، قال له:» اذْهَبْ إلى فِرْعَونَ «إلى قوله:» وأهْديكَ إلى ربِّك فتَخْشَى «، ولن يفعل، فقال: يا رب، وكيف أذهب إليه، وقد علمت أنه لا يفعل، فأوحى الله - تعالى - إليه أن امض إلى ما أمرتَ به، فإنَّ في السماء اثني عشر ألفاً ملك، يطلبون علم القدرة، فلم يبلغوه، ولم يدركوه» .
قوله تعالى:{فَأَرَاهُ الآية الكبرى}«الفاء» في «فأراه» : معطوف على محذوف، يعني فذهب فأراه، كقوله تعالى:{اضرب بِّعَصَاكَ الحجر فانفجرت}[البقرة: ٦٠] أي: فضرب فانفجرت.
واختلفوا في الآية الكبرى، أي: العلامة العظمى، وهي المعجزة.
والأول: قول عطاء وابن عباس؛ لأنَّه ليس في اليد إلا انقلاب لونها، وهذا كان حاصلاً في العصا؛ لأنَّها لمَّا انقلبت حيّة، فلا بد وأن يتغيَّر اللون الأول، فإذن كل ما في اليد، فهو حاصل في العصا، وأمور أخر، وهي الحياة في الجرم الجمادي، وتزايد الأجر إليه، وحصول القدرةِ الكبيرة والقُوَّة الشديدة، وابتلاعها أشياء كثيرة، وزوال الحياة، والقدرة عليها، وبقاء تلك الأجزاء التي عظمت، وزوال ذلك اللون والشكل اللذين صارت العصا بهما حيَّة، وكلُّ واحدٍ من هذه الوجوه كان معجزاً مستقلاً في نفسه، فعلمنا أن الآية الكبرى هي العصا.
وقال مجاهد: هي مجموع العصا واليد.
وقيل: فلق البحر، وقيل: جميع آياته ومعجزاته.
{فَكَذَّبَ} أي: كذَّب بِنَبِيِّ الله موسى و «عصى» ربَّه تبارك وتعالى.
فإن قيل: كل من كذَّب الله فقد عصى، فما فائدة قوله:«فكذب وعصى» ؟ .